للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أو فاسدةٌ، أو مقبولةٌ، أو مردودةٌ، أو مثابٌ عليها، أو غير مثابٍ عليها؛ بالنِّيَّاتِ، فيكونُ خبرًا عن حكمٍ شرعي، وهو أن صلاحَ الأعمال وفسادَها بحسب صلاحِ النِّيات وفسادِها، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الأعمالُ بالخواتيم" (١) أي: إنَّ صلاحَها وفسادَها وقَبُولَها وعدمَه بحسب الخاتمة.

وقوله بعد ذلك: "وإنَّما لامرئٍ ما نوى" إخبارٌ أنَّه لا يحصلُ له مِنْ عمله إلَّا ما نواه به، فإنْ نَوى خيرًا، حصل له خير، وإنْ نَوى شرًا، حصل له شرٌّ، وليس هذا تكريرًا محضًا للجُملة الأولى، فإنَّ الجُملةَ الأولى دلَّت على أن صلاحَ العمل وفسادَه بحسب النِّيَّة المقتضيَةِ لإيجاده، والجملة الثَّانية دلَّت على أن ثوابَ العاملِ على عمله بحسب نيَّته الصَّالحة، وأنَّ عقابَه عليه بحسب نيَّته الفاسدة، وقد تكونُ نيَّتُهُ مباحة، فيَكونُ العملُ مباحًا، فلا يحصل له به ثوابٌ ولا عقابٌ، فالعملُ في نفسه صلاحُه وفسادُه وإباحَتُه بحسب النيَّة الحاملةِ عليه، المقتضية لوجودِهِ، وثوابُ العامل وعقابُه وسلامتُه بحسب نيَّته التي بها صار العملُ صالحًا، أو فاسدًا، أو مباحًا.

واعلم أن النيَّةَ في اللُّغة نوعٌ من القَصدِ والإرادة، وإن كان قد فُرق بينَ هذه الألفاظ بما ليس هذا موضع ذكره.

والنِّيَّةُ في كلام العُلماء تقعُ بمعنيين:

أحدهما: بمعنى تمييز العباداتِ بعضها عن بعضٍ، كتمييزِ صلاة الظُّهر مِنْ صلاةِ العصر مثلًا، وتمييزِ صيام رمضانَ مِنْ صيام غيرِهِ، أو تمييزِ العباداتِ مِنَ العادات، كتمييزِ الغُسلِ من الجَنَابةِ مِنْ غسل التَّبرُّد والتَّنظُّف، ونحو ذلك، وهذه النيَّةُ هي التي تُوجَدُ كثيرًا في كلامِ الفُقهاء في كتبهم.

والمعنى الثاني: بمعنى تمييزِ المقصودِ بالعمل، وهل هو الله وحدَه لا


(١) رواه من حديث سهل بن سعد البخاري (٦٤٩٣) و (٦٦٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>