شريكَ له، أم غيره، أم الله وغيرُه، وهذه النية هي الَّتي يتكلَّمُ فيها العارِفُونَ في كتبهم في كلامهم على الإِخلاص وتوابعه، وهي الَّتي تُوجَدُ كثيرًا في كلام السَّلَفِ المتقدِّمين.
وقد صنَّفَ أبو بكر بنُ أبي الدُّنيا مصنَّفًا سمَّاه: كتاب "الإخلاص والنية"، وإنَّما أراد هذه النية، وهي النيةُ التي يتكرَّر ذكرُها في كلام النَّبي - صلى الله عليه وسلم - تارةً بلفظ النيةِ، وتارةً بلفظ الإِرادة، وتارةً بلفظٍ مُقارب لذلك، وقد جاء ذكرُها كثيرًا في كتابِ الله عزَّ وجلَّ بغيرِ لفظِ النِّيَّةِ أيضًا مِنَ الألفاظ المُقاربَةِ لها.
وإنَّما فرَّقَ مَنْ فَرَّق بين النيةِ وبينَ الإِرادة والقصدِ ونحوهما، لظنِّهم اختصاصَ النية بالمعنى الأوَّلِ الذي يَذْكُرُهُ الفقهاءُ، فمنهم من قال: النيةُ تختصُّ بفعلِ النَّاوي، والإرادةُ لا تختصُّ بذلك، كما يريدُ الإنسانُ مِنَ اللهِ أن يغفرَ له، ولا ينوي ذلك. وقد ذكرنا أن النيةَ في كلام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وسلفِ الأُمَّة إنَّما يُرادُ بها هذا المعنى الثَّاني غالبًا، فهي حينئذٍ بمعنى الإرادة، ولذلك يُعبَّرُ عنها بلفظِ الإِرادة في القرآن كثيرًا، كما في قوله تعالى:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}[آل عمران: ١٥٢]، وقوله:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}[الأنفال: ٦٧]، وقوله:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}[الشورى: ٢٠]، وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: ١٨ - ١٩]، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٥ - ١٦]، وقوله:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}[الأنعام: ٥٢]، وقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ