للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي "المسند" (١) بإسنادٍ ضعيف عن معاذ بن أنس الجُهني عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بَنى بنيانًا في غير ظلم ولا اعتداءٍ، أو غرس غِراسًا في غير ظلم ولا اعتداء، كان له أجرًا جاريًا ما انتفع به أحدٌ من خلق الرحمن".

وذكر البخاري في "تاريخه" (٢) من حديث جابر مرفوعًا: "مَنْ حَفَر ماءً لم تشرب منه كبد حرَّى من جنٍّ ولا إنسٍ ولا سَبُعٍ ولا طائرٍ إلا آجره الله يومَ القيامة".

وظاهر هذه الأحاديث كلّها يدلُّ على أن هذه الأشياء تكونُ صدقة يُثاب عليها الزارعُ والغارسُ ونحوهما من غير قصدٍ ولا نية، وكذلك قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيت لو وضعها في الحرام، أكان عليه وِزْرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ" يدلُّ بظاهره على أنَّه يُؤْجَرُ في إتيان أهله من غير نيَّةٍ، فإنَّ المُباضِع لأهله كالزَّارع في الأرض الذي يحرث الأرض ويبذر فيها، وقد ذهب إلى هذا طائفةٌ من العلماء، ومال إليه أبو محمد بن قتيبة في الأكل والشُّرب والجماع، واستدل بقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمنَ ليؤجَرُ في كلِّ شيءٍ حتَّى في اللُّقمة يرفعها إلى فيه". وهذا اللّفظ الذي استدلَّ به غيرُ معروف، إنَّما المعروف قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لسعد: "إنَّكَ لن تنفِقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ اللهِ إلا أُجِرتَ عليها، حتَّى اللقمة ترفعُها إلى في امرأتك" (٣)، وهو مقيَّدٌ بإخلاص النيّة لله، فتحمل الأحاديثُ المطلقة عليه؛ والله أعلم.

ويدلُّ عليه أيضًا قولُ الله عزَّ وجلَّ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ


(١) ٣/ ٤٣٨. ورواه أيضًا الطبراني في "الكبير" ٢٠/ (٤١٠) و (٤١١)، وفيه زبان بن فائد وهو ضعيف، لكن يتقوى بالأحاديث التي قبله.
(٢) ١/ ٣٣٢.
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>