للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ١١٤]، فجعل ذلك خيرًا، ولم يرتِّب عليه الأجرَ إلا مع نية الإخلاصِ. وأمَّا إذا فعله رياءً، فإنَّه يُعاقب عليه، وإنما مَحَلُّ التردُّد إذا فعله بغيرِ نيَّةٍ صالحةٍ ولا فاسدة. وقد قال أبو سليمان الداراني: من عَمِلَ عَمَلَ خيرٍ من غير نية كفاه نيَّة اختيارهِ للإِسلام على غيرهِ مِنَ الأديان (١)، وظاهر هذا أنَّه يُثاب عليه من غيرِ نيّةٍ بالكلية، لأنَّه بدخوله في الإِسلام مختارٌ لأعمالِ الخيرِ في الجُملة، فيثابُ على كلِّ عمل يعملُه منها بتلك النية، والله أعلم.

وقوله: "أرأيت لو وضعها في الحرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر". هذا يُسمَّى عند الأصوليين قياسَ العكس، ومنه قولُ ابن مسعودٍ، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كلمةً وقلتُ أنا أخرى، قال: "من مات يُشرِكُ باللهِ شيئًا دخل النار"، وقلت: من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة (٢).

والنوع الثاني من الصدقة التي ليست مالية: ما نفعُه قاصرٌ على فاعله، كأنواع الذِّكر: مِنَ التَّكبير، والتَّسبيح، والتَّحميد، والتَّهليل، والاستغفار، وكذلك المشيُ إلى المساجدِ صدقة، ولم يذكر في شيءٍ من الأحاديث الصَّلاة والصيام والحج والجهاد أنَّه صدقة، وأكثرُ هذه الأعمال أفضلُ من الصَّدقاتِ الماليَّة، لأنَّه إنَّما ذكر ذلك جوابًا لسؤالِ الفُقراء الَّذينَ سألوه عمَّا يُقاوم تطوَّع الأغنياء بأموالهم، وأما الفرائض، فقد كانوا كلهم مشتركين فيها.

وقد تكاثرتِ النُّصوصُ بتفضيل الذكر على الصدقة بالمال وغيرها من


(١) رواه أبو نعيم في "الحلية" ٩/ ٢٧١.
(٢) رواه البخاري (١٢٣٨)، ومسلم (٩٤)، وأحمد ١/ ٤٢٥، وابن منده في "الإيمان" (٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>