للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكتب بعضُ عمال عمر بن عبد العزيز إليه: إني بأرضٍ قد كثُرَت فيها النِّعم، حتى لقد أشفقتُ على أهلها مِنْ ضعفِ الشُّكر، فكتب إليه عُمَرُ: إنِّي قد كنتُ أراك أعلم بالله ممَّا أنتَ، إنَّ الله لم يُنعم على عبدٍ نعمةً؛ فحمِدَ الله عليها، إلَّا كان حمدُه أفضلَ من نِعَمِه، لو كنتَ لا تعرف ذلك إلَّا في كتاب الله المنزل، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: ١٥] وقال الله: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} إلى قوله: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الزمر: ٧٣] وأيّ نعمة أفضلُ من دخول الجنَّة (١)؟

وقد ذكر ابنُ أبي الدنيا في "كتاب الشكر" (٢) عن بعض العُلماء أنَّه صوَّب هذا القولَ: أعني قولَ من قال: إن الحمدَ أفضلُ من النعم، وعن ابن عُيينة أنه خطَّأ قائلَه، قال: ولا يكون فعلُ العبدِ أفضلَ من فعلِ الربِّ عزَّ وجلَّ.

ولكن الصواب قول من صوَّبه، فإنَّ المرادَ بالنعم: النعم الدنيوية، كالعافية والرِّزق والصِّحَّة، ودفع المكروه، ونحو ذلك، والحمد هو مِنَ النِّعم الدينية، وكلاهما نعمةٌ مِنَ اللهِ، لكن نعمة الله على عبده بهدايته لشكر نعمه (٣) بالحمد عليها أفضل من نعمه (٤) الدنيوية على عبده، فإنَّ النعم الدنيوية إن لم يقترن بها الشُّكرُ، كانت بليةً كما قال أبو حازم: كلُّ نعمة لا تقرِّبُ مِنَ اللهِ فهي بليَّةٌ (٥)، فإذا وفَّقَ الله عبدَه للشكر على نعمه الدنيوية بالحمدِ أو غيره من أنواع الشكر، كانت هذه النعمةُ خيرًا من تلك النعم وأحبَّ إلى الله عزَّ وجلَّ منها، فإن الله


(١) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٣٧٠.
(٢) برقم (١١).
(٣) في (ب): "لشكر نعمه".
(٤) في (ب): "نعمه".
(٥) رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (٢٠)، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" ٣/ ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>