للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُحِبُّ المحامدَ، ويرضى عن عبدِه أن يأكلَ الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمَده عليها، والثناء بالنعم والحمدُ عليها وشكرُها عندَ أهل الجود والكرم أحبُّ إليهم من أموالهم، فهم يبذلُونَها طلبًا للثناء، والله عزَّ وجَلَّ أكرمُ الأكرمين، وأجودُ الأجودين، فهو يَبذُلُ نِعَمَهُ لعباده، ويطلب منهم الثناءَ بها، وذكرها، والحمد عليها، ويرضى منهم بذلك شكرًا عليها، وإن كان ذلك كلُّه من فضله عليهم، وهو غيرُ محتاجٍ إلى شكرهم، لكنه يُحِبُّ ذلك من عباده، حيث كان صلاحُ العبدِ وفلاحُه وكماله فيه. ومِن فضله أنَّه نسب الحمدَ والشُّكر إليهم، وإن كان من أعظم نِعَمِه عليهم، وهذا كما أنَّه أعطاهم ما أعطاهم من الأموال، ثم استقرض منهم بعضَهُ، ومدحهم بإعطائه، والكلُّ (١) ملكُه، ومِنْ فضله، ولكن كرمه اقتضى ذلك، ومِنْ هُنا يُعلم معنى الأثرِ الذي جاء مرفوعًا وموقوفًا: "الحمد لله حمدًا يُوافي نعمَه، ويكافئُ مزيده".

ولنرجع الآن إلى تفسير حديث: "كلُّ سُلامى مِنَ النَّاس عليه صدقة كُلَّ يوم تطلع فيه الشَّمسُ".

يعني: أن الصَّدقةَ على ابن آدمَ عن هذه الأعضاء في كُلِّ يومٍ من أيَّامِ الدُّنيا، فإنَّ اليوم قد يُعَبَّرُ به عن مدَّةٍ أزيدَ مِنْ ذلك، كما يقال: يوم صِفِّين، وكان مدَّةَ أيَّام، وعن مطلق الوقت كما في قوله: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: ٨]، وقد يكون ذلك ليلًا ونهارًا، فإذا قيل: كلَّ يوم تطلعُ فيه الشمس، علم أن هذه الصدقة على ابن آدم في كلِّ يوم يعيشُ فيه من أيام الدُّنيا، وظاهرُ الحديث يدلُّ على أن هذا الشُّكرَ بهذه الصَّدقة واجبٌ على المسلم كلَّ يوم، ولكن الشُّكر على درجتين:

إحداهما: واجب، وهو أن يأتي بالواجبات، ويجتنب المحارم، فهذا لا بدَّ


(١) في (أ): "فالكل".

<<  <  ج: ص:  >  >>