للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: "كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرةِ، فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه، ويمجِّسانه، كما تُنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تُحِسُّونَ فيها من جدعاء؟ " قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (١).

ولهذا سمَّى الله ما أمرَ به معروفًا، وما نهى عنه منكرًا، فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: ٩٠]، وقال في صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧]، وأخبر أن قلوب المؤمنين تطمئنُّ بذكره، فالقلبُ الذي دخله نورُ الإيمان، وانشرح به وانفسح، يسكن للحقِّ، ويطمئن به ويقبله، وينفر عن الباطل ويكرهه ولا يقبله.

قال معاذ بن جبل: أحذركم زيغةَ الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، فقيل لمعاذ: ما يُدريني أن الحكيمَ قد يقول كلمة الضلالة، وأنَّ المنافق يقول كلمةَ الحقِّ؟ قال: اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يُقال: ما هذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه، فإنَّه لعلَّه أن يُراجع، وتَلَقَّ الحقَّ إذا سمعته، فإن على الحقِّ نورًا، خرَّجه أبو داود (٢). وفي رواية له قال: بل ما تشابه عليك من قول الحكيم حتَّى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟

فهذا يدل على أن الحقَّ والباطل لا يلتبسُ أمرُهما على المؤمن البصير، بل يعرف الحقَّ بالنُّور الذي عليه، فيقبله قلبُه، ويَنفِرُ عن الباطل، فينكره ولا يعرفه، ومِنْ هذا المعنى قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "سيكون في آخر الزَّمان قوم يحدِّثونَكم بما لم


(١) رواه من حديث أبي هريرة أحمد ٢/ ٢٧٥، والبخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٨٥)، وابن حبان (١٣٠).
(٢) برقم (٤٦١١)، ورواه أيضًا أبو نعيم في "الحلية" ١/ ٢٣٢ - ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>