للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإيَّاكم وإيَّاهم" (١): يعني أنَّهم يأتون بما تستنكره قلوبُ المؤمنين، ولا تعرفه، وفي قوله: "أنتم ولا آباؤكم" إشارةٌ إلى أن ما استقرَّت معرفتُه عند المؤمنين مع تقادُمِ العهد وتطاولِ الزَّمان، فهو الحقُّ، وأنَّ ما أحدث بعد ذلك مما يستنكر، فلا خيرَ فيه.

فدلَّ حديثُ وابصة وما في معناه على الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه، فما إليه سكن القلبُ، وانشرح إليه الصَّدرُ، فهو البرُّ والحلالُ، وما كان خلافَ ذلك، فهو الإثم والحرام.

وقوله في حديث النوَّاس: "الإثم ما حاك في الصدر، وكرِهتَ أنْ يطْلع عليه الناس" إشارة إلى أن الإثم ما أثَّر في الصدر حرجًا، وضيقًا، وقلقًا، واضطرابًا، فلم ينشرح له الصَّدرُ، ومع هذا، فهو عندَ الناسِ مستنكرٌ، بحيث ينكرونه عند اطِّلاعهم عليه، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عندَ الاشتباه، وهو ما استنكره النَّاس على فاعلِه وغير فاعله.

ومن هذا المعنى قولُ ابن مسعود: ما رآه المؤمنونَ حسنًا، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبيحًا، فهو عند الله قبيح (٢).


(١) رواه من حديث أبي هريرة مسلم (٦)، وابن حبان (٦٧٦٦)، والحاكم ١/ ١٠٣.
(٢) رواه أحمد ١/ ٣٧٩، والطيالسي (٦٩)، والبزار (١٣٠)، والطبراني في "الكبير" (٨٥٨٣) والبغوي في "شرح السنة" (١٥٥)، وأبو نعيم في "الحلية" ١/ ٣٧٧ - ٣٧٨، عن ابن مسعود قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلبِ محمد، فوجد قلوب أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يُقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيء. وسنده حسن، وصححه الحاكم ٣/ ٧٨ - ٧٩، ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في "المجمع" ١/ ١٧٧ - ١٧٨، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في "الكبير" ورجاله موثقون.

<<  <  ج: ص:  >  >>