للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصَّدر والرِّضا، فإنَّ ما شرعه الله ورسولُه يجبُ الإيمانُ والرضا به، والتَّسليمُ له، كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥].

وأما ما ليس فيه نصٌّ من الله ورسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيءٌ، وحكَّ في صدره لشبهة موجودة، ولم يجد مَنْ يُفتي فيه بالرُّخصة إلَّا من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يُوثَقُ بعلمه وبدينه، بل هو معروفٌ باتِّباع الهوى، فهنا يرجعُ المؤمن إلى ما حكَّ في صدره، وإن أفتاه هؤلاء المفتون.

وقد نصَّ الإمامُ أحمد على مثل هذا، قال المروزى في "كتاب الورع": قلتُ لأبي عبد الله: إنَّ القطيعة أرفقُ بي من سائر الأسواق، وقد وقع في قلبي من أمرها شيءٌ، فقال: أمرُها أمرٌ قذر متلوِّث، قلت: فتكره العملَ فيها؟ قال: دع ذا عنك إنْ كان لا يقعُ في قلبك شيء، قلت: قد وقع في قلبي منها، قال: قال ابن مسعود: الإثم حوازُّ القلوب (١). قلت: إنَّما هذا على المشاورة؟ قال: أيُّ شيءٍ يقع في قلبك؟ قلت: قد اضطربَ عليَّ قلبي، قال: الإِثم حَوازُ القلوب.

وقد سبق في شرح حديث النعمان بن بشير: "الحلالُ بَيِّنٌ والحَرامُ بيِّنٌ"، وفي شرح حديث الحسن بن علي: "دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك"، وشرح حديث: "إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت" شيءٌ يتعلَّقُ بتفسير هذه الأحاديث المذكورة هاهنا.

وقد ذكر طوائفُ مِن فقهاءِ الشافعيَّة والحنفية المتكلمين في أصول الفقه


(١) تقدم ص ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>