للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مسألة الإلهام: هل هو حجَّةٌ أم لا؟ وذكروا فيه اختلافًا بينهم، وذكر طائفةٌ من أصحابنا أن الكشفَ ليس بطريق للأحكام، وأخذه القاضي أبو يعلى من كلام أحمد في ذمِّ المتكلِّمين في الوساوس والخطرات، وخالفهم طائفة من أصحابنا في ذلك، وقد ذكرنا نصَّ أحمد هاهنا بالرُّجوع إلى حوازِّ القلوب، وإنَّما ذمَّ أحمدُ وغيرُه المتكلمين على الوساوس والخطرات من الصوفية حيث كان كلامُهم في ذلك لا يستندُ إلى دليلٍ شرعيٍّ، بل إلى مجرَّد رأي وذوقٍ، كما كان ينكرُ الكلامَ في مسائلِ الحلال والحرام بمجرَّدِ الرَّأي من غير دليلٍ شرعيٍّ.

فأمَّا الرُّجوع إلى الأمور المشتبهة إلى حوازًا لقلوب، فقد دلَّت عليه النُّصوص النبوية، وفتاوى الصحابة، فكيف يُنكره الإِمام أحمد بعدَ ذلك؟ لا سيَّما وقد نصَّ على الرُّجوع إليه موافقةً لهم. وقد سبق حديث: "إن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة" (١)، فالصدق يتميَّزُ من الكذب بسكونِ القلب إليه، ومعرفته، وبنفوره عن الكذب وإنكاره، كما قال الربيعُ بن خثيم: إنَّ للحديث ضوءًا كضوء النَّهار تعرفه، وظلمةً كظُلمة الليل تُنكره (٢).

وخرَّج الإمام أحمد (٣) من حديث ربيعة، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد، عن أبي حميد وأبي أسيد أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتُمُ الحديثَ عنِّي تعرفُهُ قلوبُكم، وتلينُ له أشعارُكم وأبشارُكم، وترَوْنَ أنَّه منكم قريبٌ، فانا أولاكم به، وإذا سمعتُم الحديث عنِّي تُنكره قلوبُكم، وتَنفرُ منه أشعارُكم وأبشارُكم، وترون أنَّه منكم بعيدٌ، فأنا أبعدكم منه". وإسناده قد قيل: إنه على


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر "الموضوعات" لابن الجوزي ١/ ١٠٣.
(٣) في "المسند" ٣/ ٤٩٧ و ٥/ ٤٢٥، ورواه أيضًا ابن سعد في "الطبقات" ١/ ٣٨٧ والبزار (١٨٧)، وصححه ابن حبان (٦٣). وذكره الهيثمي في "المجمع" ١/ ١٤٩ - ١٥٠، وقال: رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>