للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومشوبِها، والجوهري الحاذق في معرفة الجوهر بانتقاد الجواهر، وكلٌّ من هؤلاء لا يمكنُ أن يُعبِّرَ عن سبب معرفته، ولا يُقيم عليه دليلًا لغيره، وآيةُ ذلك أنَّه يُعرَضُ الحديثُ الواحدُ على جماعة ممن يعلم هذا العلم، فيتَّفقونَ على الجواب فيه مِنْ غير مواطأة.

وقد امتحن هذا منهم غيرَ مرَّةٍ في زمن أبي زُرعة وأبي حاتم، فوُجِدَ الأمرُ على ذلك، فقال السائل: أشهدُ أن هذا العلم إِلهامٌ. قال الأعمش: كان إبراهيم النخعي صيرفيًا في الحديث، كنت أسمعُ مِنَ الرِّجالِ، فأعرض عليه ما سمعته (١). وقال عمرو بن قيس: ينبغي لصاحب الحديث أن يكونَ مثل الصيرفيّ الذي ينتقد الدراهم، فإن الدراهم فيها الزائفَ والبَهْرَجَ وكذلك الحديث.

وقال الأوزاعي: كنا نسمع الحديث فنَعرِضُهُ على أصحابنا كما نَعرِضُ الدرهم الزَّائف على الصيارفة، فما عرفوا أخذنا، وما أنكروا تركنا (٢).

وقيل لعبد الرحمن بن مهدي: إنك تقولُ للشيء: هذا صحيح وهذا لم يثبت، فعن من تقولُ ذلك؟ فقال: أرأيتَ لو أتيتَ الناقد فأريتَه دراهمك، فقال: هذا جيد، وهذا بهرَجٌ أكنت تسأله عن من ذلك، أو كنت تسلم الأمر إليه؟ قال: لا، بل كنت أسلمُ الأمر إليه، قال: فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخُبْر به.

وقد روي نحو هذا المعنى عن الإمام أحمد أيضًا، وأنه قيل له: يا أبا عبد الله تقولُ: هذا الحديث منكر، فكيف علمتَ ولم تكتب الحديثَ كلَّه؟ قال:


(١) انظر: "معرفة علوم الحديث" للحاكم ص ١٦، و "حلية الأولياء" ٤/ ٢٠، و "تهذيب الكمال" ٢/ ٢٣٨.
(٢) ذكره أبو زرعة في "تاريخ دمشق" ص ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>