للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وغيرهما أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن مثل هذه المسألة، وأجاب بنحو ما أجاب به في حديث معاذ.

وفي رواية الإمام أحمد في حديث معاذ أنَّه قال: يا رسول الله، إنِّي أريدُ أن أسألَكَ عن كلمةٍ قد أمرضَتْنِي وأسقمتني وأحزنتني، قال: "سل عمَّا شئتَ"، قال: أخبرني بعمل يدخلُنِي الجنَّة لا أسألكَ غيرَه، وهذا يدلُّ على شدَّةِ اهتمام معاذٍ رضي الله عنه بالأعمال الصَّالحة، وفيه دليلٌ على أن الأعمالَ سببٌ لدخولَ الجنة، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: ٧٢].

وأما قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يدخُلَ أحدٌ منكُمُ الجنَّةَ بعمَلِه" (١) فالمراد - والله أعلم - أن العملَ بنفسه لا يستحقُّ به أحدٌ الجنة لولا أن الله جعله - بفضله ورحمته - سببًا لذلك، والعملُ نفسُه من رحمة الله وفضله على عبده، فالجنَّةُ وأسبابُها كلٌّ من فضل الله ورحمته.

وقوله: "لقد سألتَ عن عظيم" قد سبق في شرح الحديثِ المشار إليه أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لِرجل سأله عن مثل هذا: "لئن كُنتَ أوجزت المسألة، لقد أعظمتَ وأطولتَ" (٢) "وذلك لأنَّ دخولَ الجنَّة والنَّجاةَ من النار أمرٌ عظيم جدًّا، ولأجله أنزل الله الكتب، وأرسلَ الرُّسلَ، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لرجلٍ: "كيف تقولُ إذا صلَّيتَ؟ " قال: أسألُ الله الجنَّة، وأعوذُ به من النار، ولا أُحسِنُ دندنَتَك ولا دندنَةَ مُعاذ، يشير إلى كثرة دعائهما واجتهادهما في المسألة، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم: "حَوْلَها نُدَندِن". وفي رواية: "هل تصير دندنتي ودندنةُ مُعاذٍ إلا أن نسأل الله الجنَّةَ،


(١) رواه من حديث أبي هريرة أحمد ٢/ ٤٥١، والبخاري (٥٦٧٣)، ومسلم (٢٨١٦)، وابن حبان (٣٤٨).
(٢) تقدم تخريجه ص ٤٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>