للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد اختلفت ألفاظُ حديث أبي ثعلبة، فروي باللفظ المتقدِّم، ورُوي بلفظ آخر، وهو: "إنَّ الله فرَضَ فرائضَ، فلا تُضيِّعوهَا، ونهاكم عن أشياء، فلا قنتهكوها، وعفا عن أشياء من غير نسيانٍ، فلا تبحثوا عنها" خرَّجه إسحاق بنُ راهويه. ورُوي بلفظ آخر وهو: "إنَّ الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وسنّ لكم سننًا فلا تنتهكوها، وحرَّم عليكم أشياء فلا تعتدوها، وترك بين ذلك أشياء من غير نسيان رحمة منه، فاقبلوها ولا تبحثوا عنها" خرَّجه الطبراني (١). وهذه الرواية تبيِّنُ أن المعفوَّ عنه ما تُرِكَ ذكرُه، فلم يحرَّم ولم يُحلّل.

ولكن مما ينبغي أن يعلم: أن ذكرَ الشيءِ بالتَّحريم والتَّحليل مما قد يخفى فهمُه مِنْ نُصوص الكتاب والسنة، فإن دلالة هذه النُّصوص قد تكونُ بطريق النَّصِّ والتَّصريح، وقد تكونُ بطريق العُموم والشُّمول، وقد تكون دِلالتُه بطريق الفحوى والتنبيه، كما في قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣]، فإنَّ دخُولَ ما هو أعظمُ من التَّأفيف مِنْ أنواع الأذى يكونُ بطريق الأولى، ويُسمَّى ذلك مفهومَ الموافقةِ.

وقد تكونُ دلالته بطريقِ مفهوم المخالفة، كقوله: "في الغنم السَّائمة الزكاة" (٢) فإنه يدلُّ بمفهومه على أنَّه لا زَكاةَ في غيرِ السَّائمة، وقد أخذ الأكثرون بذلك، واعتبروا مفهوم المخالفة، وجعلوه حجَّةً.


(١) في "الكبير" ٢٢/ (٥٨٩).
(٢) رواه بهذا اللفظ ابن قانع فيما ذكره الحافظ في "الإصابة" ١/ ٣٢٢ من حديث حريث العذري، وهو قطعة من حديث مطول عند البخاري (١٤٥٤) من حديث أنس ولفظه: "وصدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئة إلى مئتين، ففيها شاتان … ".
ورواه أبو داود (١٥٦٧) ولفظه: "وفي سائمة الغنم .. " وانظر "صحيح ابن حبان" (٣٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>