للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيءٍ، فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ، فأتوا منه ما استطعتم" (١).

ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سعد بن أبي وقاص: "إنَّ أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن شيءٍ لم يحرَّم، فحرَّم من أجل مسألته" (٢).

وقد دلَّ القرآنُ على مثلِ هذا أيضًا في مواضعَ، كقوله عزَّ وجلَّ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} الآية [الأنعام: ١٤٥]، فإنَّ هذا يدلُّ على أن ما لم يجِد تحريمه، فليس بمحرَّمٍ، وكذلك قوله: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩]، فعنفهم على تركِ الأكل ممَّا ذُكِرَ اسمُ الله عليه، معلِّلًا بأنَّه قد بيَّن لهمُ الحرامَ، وهذا ليس منه، فدلَّ على أنَّ الأشياء على الإباحة، وإلَّا لمَا ألحَقَ اللَّومَ بمن امتنع من الأكل ممَّا لم ينصَّ له على حِلِّه بمجرِّد كونه لم ينصَّ على تحريمه.

واعلم أنَّ هذه المسألة غيرُ مسألة حُكم الأعيان قبل وُرود الشَّرع: هل هو الحظرُ أو الإباحة، أو لا حُكم فيها؟ فإنَّ تلك المسألة مفروضةٌ فيما قبل وُرودِ الشَّرع، فأمَّا بعد وُروده، فقد دلت هذه النُّصوصُ وأشباهُها على أنَّ حكم ذاك الأصل زال واستقرَّ أن الأصل في الأشياء الإباحة بأدلَّة الشَّرع. وقد حكى بعضُهم الإجماع على ذلك، وغلَّطوا من سوَّى بين المسألتين، وجعل حكمهما واحدًا.

وكلام الإمام أحمد يدلُّ على أنَّ ما لا يدخل في نصوص التَّحريم، فإنَّه


(١) رواه مسلم في "صحيحه" (١٣٣٧)، وقد تقدم.
(٢) رواه أحمد ١/ ١٧٩، والبخاري (٧٢٨٩)، ومسلم (٢٣٥٨)، وأبو داود (٤٦١٠)، وصححه ابن حبان (١١٠)، وقد تقدم ص ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>