للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويتقرَّبُ به إلى الله، كما كان كثيرٌ مِنَ الصَّحابة وغيرهم، قال أبو سليمان: كان عثمان وعبد الرحمن بن عوف خازنينِ من خزان الله في أرضه، يُنفقان في طاعته، وكانت معاملتُهما لله بقلوبِهما (١).

ومنهم من يُخرجه مِنْ يده، ولا يُمسكه، وهؤلاء نوعان: منهم من يُخرجه اختيارًا وطواعية، ومنهم من يُخرجهُ ونفسه تأبى إخراجه، ولكن يُجاهدُها على ذلك. وقد اختُلف في أيِّهما أفضل، فقال ابنُ السماك والجنيد: الأوَّل أفضلُ، لتحقُّق نفسه بمقامِ السَّخاءِ والزُّهد، وقال ابن عطاء: الثَّاني أفضل لأنَّ له عملًا ومجاهدة. وفي كلام الإمام أحمد ما يدلُّ عليه أيضًا.

ومنهم من لم يحصُل له شيءٌ مِنَ الفُضولِ، وهو زاهدٌ في تحصيله، إمَّا مع قدرته، أو بدونها، والأوَّل أفضلُ مِنْ هذا، ولهذا قال كثيرٌ مِنَ السَّلفِ: إنَّ عمرَ بن عبد العزيز كان أزهدَ مِنْ أويس ونحوه، كذا قال أبو سليمان (٢) وغيرُه.

وكان مالكُ بنُ دينار يقولُ: الناسُ يقولون: مالكٌ زاهدٌ، إنَّما الزَّاهدُ عمر بن عبد العزيز (٣).

وقد اختلف العلماء: أيُّما أفضلُ: من طلبَ الدُّنيا مِنَ الحلال، ليصل رحمَه، ويقدِّم منها لنفسه، أم من تركها فلم يطلبها بالكُليَّة؟ فرجَّحت طائفةً من تركها وجانبها، منهم الحسن وغيره، ورجَّحت طائفة من طلبها على ذلك الوجه، منهم النخعي وغيره، وروي عن الحسن عنه نحوه.

والزَّاهدون في الدُّنيا بقلوبهم لهم ملاحظُ ومشاهدُ يشهدونها، فمنهم من يشهدُ كثرةَ التَّعب بالسَّعي في تحصيلها، فهو يزهدُ فيها قصدًا لراحةِ نفسه. قال


(١) "الحلية" ٩/ ٢٦٢.
(٢) انظر "الحلية" ٩/ ٢٧٢.
(٣) "الحلية" ٥/ ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>