للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحسن: الزُّهد في الدُّنيا يُريح القلب والبدن (١).

ومنهم من يخافُ أن ينقصَ حظُّه من الآخرة بأخذِ فضولِ الدنيا. ومنهم من يخافُ من طُولِ الحساب عليها، قال بعضهم (٢): من سأل الله الدنيا، فإنَّما يسأل طولَ الوُقوفِ للحساب.

ومنهم من يشهدُ كثرةَ عُيوبِ الدُّنيا، وسرعة تقلُّبها وفنائها، ومزاحمةَ الأراذِلِ في طلبها، كما قيل لبعضهم: ما الذي زهَّدكَ في الدنيا؟ قال: قلَّةُ وفائها، وكثرةُ جفائها، وخِسَّةُ شُركائها.

ومنهم من كان ينظر إلى حقارةِ الدُّنيا عند الله، فيقذرها، كما قال الفضيلُ: لو أن الدُّنيا بحذافيرها عرضت عليَّ حلالًا لا أحاسب بها في الآخرة، لكنت أتقذرها كما يتقذر الرَّجلُ الجيفةَ إذا مرَّ بها أن تصيبَ ثوبه (٣).

ومنهم من كان يخافُ أن تشغلَه عن الاستعدادِ للآخرة والتزوُّدِ لها. قال الحسن: إن كان أحدهم ليعيش عمره مجهودًا شديدَ الجهد، والمالُ الحلال إلى جنبه، يقال له: ألا تأتي هذا فتُصيب منه؟ فيقول: لا والله لا أفعل، إنِّي أخافُ أن آتيه، فأصيبَ منه، فيكون فسادَ قلبي وعملي (٤).

وبُعِث إلى عمر بن المنكدر بمالٍ، فبكى، واشتدَّ بكاؤه، وقال: خشيت أن تغلب الدُّنيا على قلبي، فلا يكون للآخرة فيه نصيب، فذلك الذي أبكاني، ثم أمر به، فتُصُدِّقَ به على فقراء أهل المدينة.

وخواص هؤلاء يخشى أن يشتغلَ بها عن اللهِ، كما قالت رابعة: ما أحبُّ


(١) ورواه أحمد في "الزهد" ص ١٠، عن طاووس مرسلًا.
(٢) هو بشر بن الحارث كما في "الحلية" ٨/ ٣٣٧
(٣) رواه أبو نعيم في "الحلية" ٨/ ٨٩.
(٤) رواه أحمد في "الزهد" ص ٢٦٠، وأبو نعيم في "الحلية" ٦/ ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>