للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابنُ عباس: الإِضرار في الوصية من الكبائر، ثم تلا هذه الآية (١).

والإِضرار في الوصيَّةِ تارةً يكون بأنْ يَخُصَّ بعضَ الورثةِ بزيادةٍ على فرضِهِ الَّذي فرضَه الله له، فيتضرَّرُ بقيَّةُ الورثة بتخصيصه، ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله قد أعطى كُلَّ ذي حقٍّ حقّه، فلا وصيةَ لوارث" (٢).

وتارة بأن يُوصي لأجنبيٍّ بزيادةٍ على الثُّلث، فتنقص حقوقُ الورثةِ، ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الثُّلث والثُّلث كثير" (٣).

ومتى وصَّى لوارثٍ أو لأجنبيٍّ بزيادةٍ على الثُّلث، لم ينفذ ما وصَّى به إلَّا بإجازة الورثةِ، وسواءٌ قصدَ المضارَّةَ أو لم يقصد، وأما إن قصدَ المضارَّة بالوصيّة لأجنبيٍّ بالثلث، فإنَّه يأثم بقصده المضارَّة، وهل تُردُّ وصيَّتُه إذا ثبتَ ذلك بإقراره أم لا؟ حكى ابنُ عطية روايةً عن مالكٍ أنَّها تُردُّ، وقيل: إنَّه قياسُ مذهب أحمد.

ومنها: في الرجعة في النِّكاح، قال تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: ٢٣١]، وقال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: ٢٢٨] فدلَّ ذلك على أنَّ من كان قصدُه بالرجعة المضارَّة، فإنَّه آثمٌ بذلك، وهذا كما كانوا في أوَّل الإِسلام قبل حصر الطَّلاق في ثلاث يطلِّقُ الرَّجلُ امرأتَه، ثم يتركُها حتَّى تقارب انقضاءَ عدَّتها، ثمَّ يُراجعها، ثمَّ يطلِّقُها، ويفعل ذلك أبدًا بغير نهاية، فيدعُ المرأةَ لا مُطلَّقةً ولا ممسكةً، فأبطل الله ذلك، وحصر الطَّلاق في ثلاث مرات.


(١) رواه عبد الرزاق (١٦٤٥٦)، وابن أبي شيبة ١١/ ٢٠٤، وسعيد بن منصور في "سننه" (٣٤٣) و (٣٤٤)، والطبري (٨٧٧٣) و (٨٧٨٧)، والبيهقي ٦/ ٢٧١ موقوفًا على ابن عباس، وإسناده صحيح، ورفعه بعضهم، وهو ضعيف.
(٢) حديث صحيح مشهور، وقد تقدم.
(٣) متفق عليه، وقد تقدم تخريجه من حديث سعد بن أبي وقاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>