وذهب مالكٌ إلى أنَّ من راجع امرأته قبل انقضاء عدَّتها، ثم طلَّقها من غير مسيسٍ أنَّه إن قصدَ بذلك مضارَّتها بتطويل العدَّةِ، لم تستأنف العدّة، وبنت على ما مضى منها، وإن لم يقصد بذلك، استأنفت عدَّةً جديدةً، وقيل: تبني مطلقًا، وهو قولُ عطاء وقتادة، والشَّافعي في القديم، وأحمد في رواية، وقيل: تستأنف مطلقًا، وهو قول الأكثرين، منهم أبو قلابة والزُّهري والثوري وأبو حنيفة والشَّافعي - في الجديد - وأحمد في رواية وإسحاق وأبو عُبيد وغيرهم.
ومنها في الإِيلاء، فإنَّ الله جعل مدَّة المؤلي أربعةَ أشهرٍ إذا حلف الرجل على امتناع وطءِ زوجته، فإنَّه يُضْرَبُ له مدَّة أربعة أشهر، فإن فاء ورجع إلى الوطءِ، كان ذلك توبتَه، وإن أصرَّ على الامتناع لم يُمكن من ذلك، وفيه قولان للسَّلف والخلف: أحدهما: أنَّها تَطلُقُ عليه بمضيِّ هذه المدة، والثاني: أنَّه يوقف، فإن فاء، وإلَّا أُمِرَ بالطَّلاق، ولو ترك الوطءَ لقصدِ الإِضرار بغيرِ يمينٍ مدَّة أربعة أشهر، فقال كثيرٌ من أصحابنا: حكمُه حكمُ المُؤلي في ذلك، وقالوا: هو ظاهرُ كلام أحمد.
وكذا قال جماعةٌ منهم: إذا ترك الوطءَ أربعةَ أشهرٍ لغير عذرٍ، ثم طلبت الفُرقة، فُرِّق بينهما بناءً على أنَّ الوطءَ عندنا في هذه المدَّة واجبٌ، واختلفوا: هل يُعتَبر لذلك قصدُ الإِضرار أم لا يعتبر؟ ومذهبُ مالك وأصحابه إذا ترك الوطءَ مِنْ غير عُذر، فإنَّه يُفسَخُ نكاحُه، مع اختلافهم في تقدير المدَّة.
ولو أطالَ السَّفَر مِنْ غيرِ عذرٍ، وطلبت امرأتُه قُدومَه، فأبى، فقال مالكٌ وأحمد وإسحاق: يفرِّقُ الحاكم بينهما، وقدَّره أحمد بستة أشهر، وإسحاق بمضيِّ سنتين.
ومنها: في الرضاع، قال تعالى:{لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}[البقرة: ٢٣٣]، قال مجاهد في قوله:{لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}[البقرة: ٢٣٣]