يعضُّ الموسرُ على ما في يديه، ولم يؤمرْ بذلك، قال الله تعالى:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[البقرة: ٢٣٧] ويُبايع المضطرُّون، وقد نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المضطرِّ. وخرَّجه الإِسماعيلي، وزاد فيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كان عندكَ خيرٌ تعودُ به على أخيك، وإلَّا فلا تزيدنَّه هلاكًا إلى هلاكه" وخرَّجه أبو يعلى الموصلي بمعناه من حديث حُذيفة مرفوعًا أيضًا.
وقال عبد الله بنُ معقِل: بيعُ الضَّرورةِ ربا.
وقال حرب: سئل أحمد عن بيع المضطر، فكرهه، فقيل له: كيف هُو؟ قال: يجيئك وهو محتاج، فتبيعه ما يُساوي عشرة بعشرين، وقال أبو طالب: قيل لأحمد: إن ربح بالعشرة خمسة؟ فكره ذلك، وإن كان المشتري مسترسلًا لا يحسن أن يُماكس، فباعه بغبنٍ كثيرٍ، لم يجز أيضًا. قال أحمد: الخِلابة: الخداع، وهو أن يَغْبِنه فيما لا يتغابَن الناسُ في مثله؛ يبيعه ما يُساوي درهمًا بخمسة، ومذهبُ مالكٍ وأحمد أنه يثبت له خيارُ الفسخ بذلك.
ولو كان محتاجًا إلى نقدٍ، فلم يجد من يُقرضه، فاشترى سلعةً بثمن إلى أجل في ذمَّته، ومقصودُه بيعُ تلك السلعة، ليأخذ ثمنها، فهذا فيه قولانِ للسلف، ورخص أحمدُ فيه في رواية، وقال في رواية: أخشى أن يكون مضطَرًّا؛ فإن باعَ السِّلعة مِن بائعها له، فأكثرُ السلف على تحريمِ ذلك، وهو مذهبُ مالكٍ وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم.
ومن أنواع الضرر في البيوع: التَّفريقُ بين الوالدةِ وولدها في البيع، فإن كان صغيرًا، حَرُمَ بالاتفاق، وقد رُوي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"من فرَّق بين والدةٍ وولدِها، فرَّق الله بينه وبين أحبَّته يوم القيامة"(١)، فإن رضيت الأُمُّ بذلك، ففي
(١) رواه من حديث أبي أيوب الأنصاري أحمد ٥/ ٤١٤، والترمذي (١٢٨٣) و (١٥٦٦)، والدارقطني ٣/ ٦٧، وصححه الحاكم ٢/ ٥٥، وسكت عنه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال.