للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الملح، فلعلَّه يُحمل على منع أخذِهِ مِنَ المعادن المُباحَة، فإنَّ الملحَ مِنَ المعادن الظَّاهرة، لا يُملَكُ بالإِحياء، ولا بالإِقطاع، نصّ عليه أحمد، وفي "سنن أبي داود" (١) أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقطع رجلًا الملحَ، فقيل له: يا رسول الله إنَّه بمنزلة الماء العدِّ، فانتزعه منه.

ومما يدخل في عمومِ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرَرَ" أنَّ الله لم يكلِّف عبادَه فعلَ ما يَضُرُّهم ألبتَّة، فإنَّ ما يأمرهم به هو عينُ صلاحِ دينهم ودنياهم، وما نهاهم عنه هو عينُ فساد دينهم ودنياهم، لكنه لم يأمر عبادَه بشيءٍ هو ضارٌّ لهم في أبدانهم أيضًا، ولهذا أسقط الطَّهارة بالماء عَنِ المريض، وقال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: ٦]، وأسقط الصيام عن المريض والمسافر، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وأسقط اجتناب محظورات الإِحرام، كالحلق ونحوه عمن كان مريضًا، أو به أذى من رأسه، وأمرَ بالفدية. وفي "المسند" (٢) عن ابن عباسٍ، قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الأديان أحبُّ إلى الله؟ قال: "الحنيفيَّةُ السَّمحةُ". ومن حديث


(١) رقم (٣٠٦٤) من حديث أبيض بن حمال، ورواه أيضًا الترمذي (١٣٨٠) وابن ماجه (٢٤٧٥) وصححه ابن حبان (٤٤٩٩).
(٢) ١/ ٢٣٦، وعلقه البخاري في كتاب الإِيمان: باب الدين يسر، ووصله في "الأدب المفرد" (٢٨٧)، ورواه أيضًا الطبراني في "الكبير" (١١٥٧١)، والبزار (٥٩)، وحسّن إسناده الحافظ في "الفتح" ١/ ٩٤، ويشهد له حديث عائشة الذي بعده، رواه أحمد ٦/ ١١٦ و ٢٣٣، وسنده قوي، وحسنه الحافظ في "تغليق التعليق" ٢/ ٤٣. وآخر من حديث أبي أمامة عند أحمد ٥/ ٢٦٦، والطبراني (٧٨٦٨) وهو حسن في الشواهد، وثالث عن جابر بن عبد الله عند الخطيب في "تاريخه" ٧/ ٢٠٩، وابن النجار في "الذيل" ٣/ ٥، وسنده ضعيف.
ورابع عن حبيب بن أبي ثابت عند ابن سعد في "الطبقات" ١/ ١٩٢. وخامس من حديث عمر بن عبد العزيز عن أبيه مرسلًا عند أحمد في "الزهد" ص ٣٤٠، وابن حجر في "تغليق التعليق" ٢/ ٤٢ وهو صحيح، فالحديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>