للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في السفر في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} إلى قوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: ١٠٦]، وهذه الآية لم يُنسخ العملُ بها عندَ جمهور السَّلف، وقد عملَ بها أبو موسى، وابن مسعود، وأفتى بها علي، وابن عباس، وهو مذهبُ شريح والنَّخعيّ وابن أبي ليلى، وسفيان والأوزاعي وأحمد وأبي عبيد وغيرهم، قالوا: تُقبل شهادة الكفَّار في وصيَّة المسلمين في السَّفر، ويُستحلَفان مع شهادتهما. وهل يمينهما من باب تكميل الشهادة، فلا يُحكم بشهادتهما بدون يمين، أم من باب الاستظهار عند الريبة؟ وهذا محتمل، وأصحابنا جعلوها شرطًا، وهو ظاهرُ ما روي عن أبي موسى وغيره.

وقد ذهب طائفة من السَّلف إلى أنَّ اليمين مع الشاهد الواحد هو من باب الاستظهار، فإن رأى الحاكمُ الاكتفاءَ بالشَّاهد الواحدِ، لبُروزِ عدالته، وظُهور صِدْقِه، اكتفى بشهادته بدون يمين الطالب.

وقوله: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: ١٠٧] يدلُّ على أنَّه إذا ظهر خللٌ في شهادة الكفّار، حلف أولياء الميت على خيانتهما وكذبهما، واستحقُّوا ما حلَفُوا عليه، وهذا قولُ مجاهدٍ وغيره من السلف.

ووجه ذلك أن اليمين في جانب أقوى المتداعيين، وقد قَوِيَتْ ها هنا دعوى الورثةِ بظهور كذب الشُّهود الكفَّار، فتردُّ اليمينُ على المدَّعين، ويحلفون مع اللوث (١)، ويستحقُّون ما ادَّعوهُ، كما يحلفُ الأولياءُ في القسامة مع اللوث،


(١) اللوث: البينة الضعيفة غير الكاملة، قاله الأزهري، ومنه قيل للرجل الضعيف العقل: ألوث. وفيه لوثة، أي: حماقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>