ويستحقون بذلك الدِّيَةَ والدَّم أيضًا عندَ مالكٍ وأحمد وغيرهما.
وقضى ابنُ مسعود في رجل مسلم حضره الموت، فأوصى إلى رجلين مسلمين معه، وسلَّمهما ما معه مِنَ المال، وأشهدَ على وصيَّته كفارًا، ثم قدم الوصيّان، فدفعا بعض المال إلى الورثة، وكتما بعضَه، ثمَّ قدم الكفَّارُ، فشهدوا عليهم بما كتموه منَ المال، فدعا الوصيَّينِ المسلِمَين، فاستحلفهما: ما دفع إليهما أكثرَ ممَّا دفعاه، ثم دعا الكفَّارَ، فشهدُوا وحلفوا على شهادتهم، ثم أمر أولياءَ الميت أن يحلِفوا أنَّ ما شهدت به اليهودُ والنَّصارى حقٌّ، فحلَفُوا، فقضى على الوصِيَّين بما حلفوا عليه (١)، وكان ذلك في خلافة عثمان، وتأوَّل ابنُ مسعودٍ الآية على ذلك، فكأنَّه قابلَ بين يمين الأوصياء والشُّهود الكفار فأسقطهما، وبقي مع الورثة شهادة الكفَّار، فحلفُوا معها، واستحقُّوا، لأنَّ جانبَهم ترجَّح بشهادة الكفَّار لهم، فجعل اليمينَ مع أقوى المتداعيين، وقضى بها.
واختلف الفقهاء: هل يُستحلف في جميع حقوق الآدميين كقول الشافعي ورواية عن أحمد أو لا يستحلف إلَّا فيما يقضى فيه بالنُّكول كرواية عن أحمد؟ أو لا يستحلف إلا فيما يصحّ بذله كما هو المشهور عن أحمد؟ أو لا يستحلف إلَّا في كلِّ دعوى لا تحتاجُ إلى شاهدين كما حُكي عن مالك؟
وأما حقوقُ الله - عزّ وجلّ -، فمن العلماءِ من قال: لا يُستحلفُ فيها بحالٍ، وهو قولُ أصحابنا وغيرهم، ونصَّ عليه أحمدُ في الزَّكاة، وبه قال طاووسٌ والثوريُّ والحسن بن صالحٍ وغيرهم، وقال أبو حنيفة ومالكٌ واللَّيثُ والشافعيُّ:
(١) وروى نحوه أبو داود (٣٦٠٥)، وابن جرير (١٢٩٢٦)، والبيهقي ١٠/ ١٦٥ عن أبي موسى الأشعري، وصححه الحاكم ٢/ ٣١٤ على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٣/ ٢٢٤، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، وأبي عبيد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه.