للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي "مسند البزار" (١) بإسنادٍ فيه جهالة، عن أبي عُبيدة بن الجراح، قال: قلتُ: يا رسول الله، أيُّ الشُّهداءِ أكرم على اللهِ؟ قال: "رجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ، فامره بمعروفٍ، ونهاه عن منكر فقتله". وقد رُوي معناه من وجوه أخر كلُّها فيها ضعفٌ.

وأما حديثُ: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه"، فإنَّما يدلُّ على أنَّه إذا عَلِمَ أنَّه لا يُطيق الأذى، ولا يصبرُ عليه، فإنَّه لا يتعرَّض حينئذٍ للآمر، وهذا حقٌّ، وإنَّما الكلامُ فيمن عَلِمَ من نفسه الصَّبر، كذلك قاله الأئمَّةُ، كسفيانَ وأحمد، والفضيل بن عياض وغيرهم.

وقد رُوي عن أحمد ما يدلُّ على الاكتفاء بالإِنكارِ بالقلب، قال في رواية أبي داود (٢): نحن نرجو إن أنكَرَ بقلبه، فقد سَلِم، وإن أنكر بيده، فهو أفضل، وهذا محمولٌ على أنه يخاف كما صرَّح بذلك في رواية غيرِ واحدٍ. وقد حكىِ القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنَّه لا يقبلُ منه، وصحح القولَ بوجوبه، وهو قولُ أكثرِ العلماء. وقد قيل لبعض السلف في هذا، فقال: يكون لك معذرةٌ، وهذا كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السَّبت أنَّهم قالوا لمن قال لهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً (٣) إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:


= "الكبير" (٨٠٨٠) و (٨٠٨١)، والبيهقي ١٠/ ٩١، والقضاعي في "مسند الشهاب" (١٢٨٨) وسنده حسن.
(١) برقم (٣٣١٤) وذكره الهيثمي في "المجمع" ٧/ ٢٧٢، وقال: وفيه ممن لم أعرف اثنان.
(٢) في "مسائل أحمد" ص ٢٧٨.
(٣) كذا الأصل: "معذرةٌ"، بالرفع، وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، أي: موعظتنا إياهم معذرة، والمعنى أن الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة هؤلاء عذرًا إلى الله. وقرأ حفصٌ عن عاصم "معذرةً" نصبًا، وذلك على معنى نعتذر معذرة. انظر "زاد المسير" ٣/ ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>