ذريعةً إلى محظورٍ متَّفقٍ عليه، كربا النقدِ الخلاف فيه ضعيفٌ، وهو ذريعةٌ إلى ربا النَّساء المتَّفق على تحريمه، وكنكاح المتعة، فإنَّه ذريعةٌ إلى الزِّنى. وذكر عن أبي إسحاق بن شاقلا أنَّه ذكرَ أنَّ المتعة هي الزنى صراحًا.
وعن ابن بطة أنَّه قال: لا يفسخ نكاحٌ حكم به قاضٍ إذا كان قد تأوَّل فيه تأويلًا، إلَّا أن يكون قضى لرجلٍ بعقدِ متعة، أو طلق ثلاثًا في لفظٍ واحدٍ، وحكم بالمراجعة من غيرِ زوجٍ، فحكمُهُ مردودٌ، وعلى فاعله العقوبةُ والنَّكالُ.
والمنصوصُ عن أحمد: الإِنكارُ على اللَّاعب بالشطرنج، وتأوَّله القاضي على من لعب بها بغيرِ اجتهادٍ، أو تقليدٍ سائغٍ، وفيه نظرٌ، فإنَّ المنصوصَ عنه أنه يُحَدُّ شاربُ النَّبيذِ المختلفِ فيه، وإقامةُ الحدّ أبلغُ مراتبِ الإِنكارِ، مع أنَّه لا يفسق بذلك عنده، فدلَّ على أنَّه ينكَرُ كلُّ مختلفٍ فيه ضَعفُ الخلافُ فيه، لدلالة السُّنَّة على تحريمه، ولا يخرجُ فاعلُه المتأوّل مِنَ العدالة بذلك، والله أعلم. وكذلك نصَّ أحمدُ على الإِنكار على من لا يتم صلاتَه ولا يُقيم صلبه من الرُّكوعِ والسُّجود، مع وجود الاختلاف في وجوب ذلك.
واعلم أنَّ الأمرَ بالمعروف والنَّهيَ عن المنكرِ تارةً يحمِلُ عليه رجاءُ ثوابه، وتارةً خوفُ العقابِ في تركه، وتارةً الغضب للهِ على انتهاك محارمه، وتارةً النصيحةُ للمؤمنين، والرَّحمةُ لهم، ورجاء إنقاذهم ممَّا أوقعوا أنفسهم فيه من التعرُّض لغضب الله وعقوبته في الدُّنيا والآخرة، وتارةً يحملُ عليه إجلالُ اللهِ وإعظامُه ومحبَّتهُ، وأنَّه أهلٌ أن يُطاعَ فلا يُعصى، ويُذكرَ فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وأن يُفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال، كما قال بعضُ السلف (١): وددت أنَّ الخلقَ كلَّهم أطاعوا الله، وإنَّ لحمي قُرِض بالمقاريض. وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز - رحمهما الله - يقول لأبيه: ودِدتُ أنِّي غلت بيَ وبكَ القدورُ في الله - عز وجل -.
(١) هو زهير بن عبد الرحمن البابي، كما في "الحلية" ١٠/ ١٥٠.