للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقسم آخر إذا وجدَ من نفسه الحسدَ، سعى في إزالته، وفي الإِحسان إلى المحسود بإسداءِ الإِحسانِ إليه، والدُّعاء له، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وَجَدَ له في نفسه مِنَ الحسدِ حتَّى يبدلَه بمحبَّة أن يكونَ أخوه المسلمُ خيرًا منه وأفضلَ، وهذا مِنْ أعلى درجات الإِيمان، وصاحبه هو المؤمنُ الكاملُ الذي يُحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، وقد سبق الكلام على هذا في تفسير حديث "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تناجَشوا": فسَّره كثيرٌ من العلماء بالنَّجَشِ في البيع، وهو: أن يزيدَ في السِّلعة من لا يُريدُ شِراءَها، إمَّا لنفع البائع بزيادةِ الثَّمن له، أو بإضرارِ المشتري بتكثير الثمن عليه، وفي "الصحيحين" عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نهى عن النَّجش (١).

وقال ابن أبي أوفى: النَّاجش: آكلُ ربا خائنٌ، ذكره البخاري (٢).

قال ابنُ عبد البرِّ (٣): أجمعوا أنَّ فاعلَه عاصٍ لله - عزّ وجلّ - إذا كان بالنَّهي عالمًا.

واختلفوا في البيع، فمنهم من قال: إنَّه فاسدٌ، وهو روايةٌ عن أحمد، اختارها طائفةٌ من أصحابه، ومنهم من قال: إن كان الناجشُ هو البائعَ، أو من واطأه البائع على النَّجش فسد، لأنَّ النَّهيَ هُنا يعودُ إلى العاقدِ نفسِه، وإن لم يكن كذلك، لم يفسُد، لأنَّه يعودُ إلى أجنبيٍّ. وكذا حُكِي عَنِ الشَّافعيِّ أنَّه علَّل


(١) رواه البخاري (٢١٤٢) و (٦٩٦٣)، ومسلم (١٥١٦)، والنسائي ٧/ ٢٥٧، وابن ماجه (٢١٧٣).
(٢) في "صحيحه" معلقًا في البيوع: باب النجش، ووصله في الشهادات: باب قول الله - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: ٧٧] حديث رقم (٢٦٧٥).
(٣) في "التمهيد" ١٣/ ٣٤٨ - ٣٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>