للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

النَّجاسةِ، وسَترِ العورةِ؟ فمن لم يشترِط لها النِّيَّةَ، جعلها كسائرِ شُروطِ الصَّلاةِ، ومَنِ اشترطَ لها النِّيَّةَ، جعلها عبادةً مُستقلَّةً، فإذا كانت عبادةً في نفسها، لم تصحَّ بدونِ نيَّةٍ، وهذا قولُ جمهور العلماءِ، ويدلُّ على صحَّةِ ذلك تكاثرُ النُّصوصِ الصَّحيحةِ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: بأنَّ الوُضوءَ يكفِّر الذُّنوبَ والخطايا، وأنَّ مَنْ توضَّأ كما أُمِرَ، كان كَفَّارةً لذُنوبه (١).

وهذا يدلُّ على أن الوُضوءَ المأمورَ به في القرآنِ عبادةٌ مستقلَّةٌ بنفسها، حيث رتَّب عليه تكفيرَ الذنوبِ، والوضوءُ الخالي عن النِّيَّةِ لا يُكفرُ شيئًا من الذُّنوبِ بالاتِّفاقِ، فلا يكونُ مأمورًا به، ولا تصحُّ به الصَّلاةُ، ولهذا لم يَرِد في شيءٍ من بقيَّةِ شرائطِ الصَّلاةِ، كإزالةِ النَّجاسةِ، وسَترِ العورةِ ما ورد في الوُضوءِ مِنَ الثَّواب، ولو شَرَكَ بينَ نيَّةِ الوُضوءِ، وبينَ قصدِ التَّبرُّد، أو إزالةِ النَّجاسةِ أو الوسخَ، أجزأه في المنصوصِ عن الشَّافعيِّ، وهو قولُ أكثرِ أصحاب أحمدَ، لأنَّ هذا القصدَ ليسَ بمحرَّمٍ، ولا مَكروهٍ، ولهذا لو قصدَ مع رفعِ الحدَثِ تعليمَ الوضوءِ، لم يضرَّهُ ذلك. وقد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقصِدُ أحيانًا بالصَّلاةِ تعليمَها للنَّاس، وكذلك الحجُّ، كما قال: "خذوا عنِّي مناسِكَكُم" (٢).

وممَّا تدخُلُ النِّيَّةُ فيه مِنْ أبوابِ العلمِ: مسائلُ الأيْمان.

فلغوُ اليمينِ لا كفَّارةَ فيه، وهو ما جرى على اللِّسان منْ غيرِ قصدٍ بالقلبِ إليه، كقوله: لا والله، وبلى والله في أثناءِ الكلامِ، قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ


(١) رواه من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أحمد ١/ ٦٦ و ٦٩، والبخاري (١٦٠)، ومسلم (٢٣١)، والنّسائي ١/ ٩١، وابن ماجه (٢٨٥) و (٤٥٩)، وصححه ابن حبان (٣٦٠).
ورواه من حديث عاصم بن سفيانَ أحمدُ ٥/ ٤٢٣، والدارمي ١/ ١٩٢، والنّسائي ١/ ٩٠ - ٩١، وابن ماجه (١٣٩٦)، وصححه ابن حبان (١٠٤٢).
(٢) رواه من حديث جابر: مسلم (١٢٩٧)، وأبو داود (١٩٧٠)، والنّسائي ٥/ ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>