للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يعني أنَّهم يعامِلون المؤمنين بالذِّلَّة واللِّين وخفض الجناح، {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، يعني أنهم يعاملون الكافرين بالعزَّة والشدَّة عليهم، والإِغلاظ لهم، فلما أحبُّوا الله، أحبُّوا أولياءه الذين يُحبونه، فعاملوهُم بالمحبَّة، والرَّأفة، والرحمة، وأبغضوا أعداءَه الذين يُعادونه، فعاملُوهم بالشِّدَّة والغِلظة، كما قال تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩]، {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: ٥٤]، فإنَّ من تمام المحبة مجاهدةَ أعداءِ المحبوب، وأيضًا، فالجهادُ في سبيل الله دعاء للمعرضين عن الله إلى الرجوع إليه بالسَّيفِ والسِّنان بعد دعائهم إليه بالحجَّةِ والبرهانِ، فالمحبُّ لله يُحبُّ اجتلابَ الخلق كلِّهم إلى بابه؛ فمن لم يُجبِ الدعوةَ باللين والرِّفق، احتاج إلى الدعوة بالشدّة والعنف: "عجب ربّك من قومٍ يُقادون إلى الجنّة بالسَّلاسل" (١).

{وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}؛ لا هَمَّ للمحبِّ غيرُ ما يُرضي حبيبه، رضي من رضي، وسَخِطَ من سخط، من خاف الملامة في هوى من يُحبُّه، فليس بصادقٍ في المحبَّةِ:

وقف الهوى بي حيثُ أنتِ فَلَيسَ لي … مُتَأَخَّرٌ عنه ولا مُتقدَّمُ

أَجِدُ الملامَةَ في هَواكِ لَذيذةً … حُبًا لِذكرك فليلُمْني اللُّوَّمُ (٢)

قوله: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}، يعني درجة الذين يُحبهم ويُحبونه بأوصافهم المذكورة، {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}: واسعُ العطاءِ، عليمٌ بمن يستحقُّ الفضل، فيمنحه، ومن لا يستحقُّه، فيمنعه.


(١) رواه من حديث أبي هريرة أحمد ٢/ ٣٠٢، والبخاري (٣٠١٠)، وأبو داود (٢٦٧٧)، وابن حبان (١٣٤).
(٢) البيتان في "الشعر والشعراء" ص ٨٣٤ لأبي الشيص محمد بن عبد الله بن رزين، وهو ابن عم دِعْبِل، وكان في زمن الرشيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>