ولنرجع إلى شرح حديث ابن عباس المرفوع، فقوله:"إن الله تجاوز لي عن أُمَّتي الخطأ والنِّسيان" إلى آخرهِ تقديره: إنَّ الله رفع لي عن أُمَّتي الخطأ، أو ترك ذلك عنهم، فإنَّ "تجاوز" لا يتعدَّى بنفسه.
وقوله:"الخطأ والنسيان، وما استُكرِهُوا عليه".
فأما الخطأ والنسيان، فقد صرّح القرآن بالتَّجاوُزِ عنهما، قال الله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: ٢٨٦]، وقال:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: ٥].
وفي "الصحيحين" عن عمرو بن العاص سمع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إذا حكمَ الحاكمُ، فاجتهد، ثم أصابَ، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ، فله أجر"(١).
وقال الحسن: لولا ما ذَكَر الله من أمر هذين الرجلين - يعني داود وسليمان - لرأيت أنَّ القُضاةَ قد هلكوا، فإنَّه أثنى على هذا بعلمه، وعَذَرَ هذا باجتهاده: يعني قوله: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}[الأنبياء: ٧٨] الآية.
وأما الإِكراه فصرَّح القرآن أيضًا بالتجاوز عنه، قال تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}[النحل: ١٥٦]، وقال تعالى:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}[آل عمران: ٢٨] الآية.
ونحن نتكلم إن شاء الله في هذا الحديث في فصلين: أحدهما في حكم الخطأ والنسيان، والثاني في حكم الإِكراه.
(١) رواه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦)، وأبو داود (٣٥٧٤)، وابن ماجه (٢٣١٤)، وصححه ابن حبان (٥٠٦١).