للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إحداهما: أن يكونَ مصرًّا بقلبه على المعصية، فهذا كاذب في قوله: "وأتوب إليه" لأنه غيرُ تائبٍ، فلا يجوزُ له أن يخبر عن نفسه بأنَّه تائبٌ وهو غير تائب.

والثانية: أن يكون مقلعًا عن المعصية بقلبه، فاختلف الناس في جوازِ قوله: وأتوب إليه، فكرهه طائفةٌ من السَّلف، وهو قولُ أصحاب أبي حنيفة حكاه عنهم الطحاوي، وقال الربيع بن خثيم: يكونُ قولُه: "وأتوب إليه" كذبةً وذنبًا، ولكن ليقل: اللهم تُبْ عليَّ، أو يقول: اللهمَّ إنِّي أستغفرك فتُب عليَّ، وهذا قد يُحمل على من لم يقلع بقلبه وهو بحاله أشبه. وكان محمد بن سوقة يقول في استغفاره: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم وأسأله توبة نصوحًا.

ورُوي عن حذيفة أنه قال: بحسب المرءِ من الكذب أن يقول: أستغفر الله، ثم يعود. وسمع مطرِّفٌ رجلًا يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، فتغيظ عليه، وقال: لعلك لا تفعل.

وهذا ظاهره يدلُّ على أنه إنَّما كره أن يقول: وأتوب إليه، لأن التوبة النصوحَ أن لا يعودَ إلى الذنب أبدًا، فمتى عاد إليه، كان كاذبًا في قوله: "أتوب إليه".

وكذلك سُئِل محمدُ بنُ كعب القُرظِيُّ عمَّن عاهد الله أن لا يعود إلى معصية أبدًا، فقال: من أعظم منه إثمًا؟ يتألَّى على الله أن لا ينفذ فيه قضاؤه، ورجَّح قوله في هذا أبو الفرج بنُ الجوزي ورُوي عن سُفيان بن عُيينة نحو ذلك.

وجمهورُ العلماء على جواز أن يقول التائب: أتوبُ إلى الله، وأن يُعاهِدَ العبدُ ربَّه على أن لا يعود إلى المعصية، فإنَّ العزم على ذلك واجبٌ عليه، فهو مخبر بما عزم عليه في الحال، ولهذا قال: "ما أصرَّ من استغفر، ولو عاد في اليوم

<<  <  ج: ص:  >  >>