للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أبو سليمان الداراني: إن النفس إذا جاعت وعطشت، صفا القلب ورقّ، وإذا شبعت ورويت، عمي القلبُ، وقال (١): مفتاحُ الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع، وأصلُ كلِّ خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عزّ وجلّ، وإن الله ليُعطي الدنيا من يُحبُّ ومن لا يُحبُّ، وإن الجوع عنده في خزائن مُدَّخَرة، فلا يُعطي إلا من أحبَّ خاصة، ولأن أدعَ من عشائي لقمةً أحبُّ إليَّ من أن آكلها ثم أقوم من أوَّل الليل إلى آخره.

وقال الحسن بن يحيى الخشني: من أراد أن تَغْزُرَ دموعه، ويرِقَّ قلبه، فليأكل، وليشرب في نصف بطنه، قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت بهذا أبا سليمان، فقال: إنما جاء الحديث: "ثلثٌ طعام وثلثٌ شراب"، وأرى هؤلاء قد حاسبوا أنفسَهم، فربحوا سدسًا (٢).

وقال محمد بن النضر الحارثي: الجوعُ يبعث على البرِّ كما تبعثُ البِطنة على الأشر (٣).

وعن الشافعي، قال: ما شبعتُ منذ ستَّ عشرةَ سنة إلا شبعة اطرحتها، لأن الشبع يُثقِلُ البدن، ويُزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة (٤).

وقد ندب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى التقلل من الأكل في حديث المقدام، وقال: "حسبُ ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه". وفي "الصحيحين" عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المؤمنُ يأكل في مِعىً واحد، والكافرُ يأكل في سبعة أمعاء" (٥) والمراد أن المؤمن


(١) "الحلية" ٩/ ٢٥٩.
(٢) "الحلية" ٨/ ٣١٨.
(٣) "الحلية" ٨/ ٢٢٢.
(٤) رواه البيهقي في "آداب الشافعي" ص ١٠٦، وأبو نعيم في "الحلية" ٩/ ١٢٧.
(٥) رواه البخاري (٥٣٩٣)، ومسلم (٢٠٦٠) من حديث ابن عمر، ورواه البخاري =

<<  <  ج: ص:  >  >>