ــ ـ[عمود:١]ـ والأعيان من أعضاء الجمعية العاملين والمؤيدين، وما كنا نطمع أن يحضر هذا الاجتماع كل هؤلاء الفضلاء والعلماء في جموعهم الغفيرة هذه، وفي عددهم الكثير هذا الذي لا يكاد يحصى. لقد وضعت في سبيل هذه الجمعية وأعضائها كل العراقيل والصعوبات واستعملت كل الوسائل لمنع الناس من أن يحضروا هذا الاجتماع، وسمعنا وسمعوا كل وعد ووعيد، وكل ترغيب وترهيب ولقينا كل تضييق، وذقنا كل بلاء وأذى وهذه الأزمة لا تزال خانقة شديدة على الناس، وقد أصبح هؤلاء الناس في وفرة الأشغال لأن الفصل فصل حصاد، وإدارة السكك الحديدية هي الأخرى قد منعتنا حقا من حقوقنا، وامتنعت أن تحفظ لهذه الوفود الكريمة أدنى شيء من أجرة الركوب ... ومع هذه العراقيل كلها ومع عراقيل أخرى غيرها فإن هذا الاجتماع العام قد نجح نجاحا عظيما ما رأينا له من نظير في هذه البلاد. ولقد ورد على هذا الاجتماع العام لجمعية العلماء باسم الأستاذ الرئيس عدد كثير من برقيات التأييد. منها برقية وردت من تبسة أمضاها مئتان (٢٠٠) من التجار والشبان. ووردت مئات من رسائل الاعتذار أرسل بها من كل أنحاء القطر الجزائري أنصار الجمعية من أعيان البلاد وعلمائها الذين تخلفوا عن هذا الاجتماع لموانع شرعية، وأعذار مقبولة. كان موعد المحاضرة الأسبوعية التي يلقيها الأستاذ العقبي في نادي الترقي الساعة الخامسة من مساء الأحد من كل أسبوع وجلس هذا الأستاذ كالعادة على المنصة التي رفعت له مساء هذا الأحد الأخير (٢ ربيع الأول ١٣٥٢)، وقام فحمد الله وأثنى عليه، وألقى محاضرة موجزة في حياة
ـ[عمود:٢]ـ النبي الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنها جمعت كل ما عرف به الأستاذ من الفصاحة وسحر البيان وقام بعده الأستاذ بلقاسم الأوجاني (الأزهري) فتكلم كلاما طيبا مباركا فيه، وقام خطيب الشباب الأستاذ محمد الهادي السنوسي (الزاهري) فألقى خطابا جاء غاية في الفن والأدب والجمال. وقام بعد هذا صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس فألقى درسا يفيض حكمة وعلما وكان نادي الترقي بردهته الواسعة الفسيحة الكبرى، وبغرفه ومعابره ومماشيه الكثيرة الأخرى قد غص بالحاضرين وأط بهم أطا, فكان كالرمانة تراصت فيها حباتها وركب بعضها بعضا. وهنا لا بد أن نشير إلى أن هؤلاء الحاضرين كانوا كلهم من الضيوف الذين جاءوا من بعيد ليحضروا هذا الاجتماع، أما الذين يسكنون الجزائر وضواحيها والبليدة وما قرب منها وما بين ذلك فإنهم قد تركوا أمكنتهم للضيوف، ونعم ما فعلوا. وفي صبيحة الاثنين (٣ ربيع الأول ١٣٥٢) كانت بطحاء الحكومة (بلاصة العود) وما حواليها من الشوارع والطرقات تموج موجا بأهل العلم والدين وبأنصار العلم والدين، قد ضاق عنهم نادي الترقي بردهاته ومدرجاته وغرفه ومعابره ومعارجه فلم يتسع لهم على أنه هو أرحب النوادي وأوسعها. وكانت وجوه هؤلاء الوفود ضاحكة مستبشرة، وكانت ملابسهم بيضاء نقية تدل على أن لهم نفوسا طاهرة زكية عليهم علائم العلم والدين، وعلى وجوههم ملامح الخير والصلاح، وكان هؤلاء الحاضرون كلهم أو جلهم من أهل العمائم واللحى، ليس فيهم إلا قليل من المتطربشين. ولما جاءت الساعة المعينة من هذا الصباح جلس أعضاء المجلس الإداري
ـ[عمود:٣]ـ لجمعية العلماء على المنصة التي نصبت لهم في المدرجة الكبرى من هذا النادي، ولما استوى بهم المجلس أذن الأستاذ رئيس الجمعية للأستاذ العقبي فافتتح الجلسة بتجويد آيات من القرآن العظيم، فاقشعرت الجلود لذكر الله، وخشعت الأصوات للرحمن واطمأنت القلوب، وفاضت الأعين بالدمع اتعاظا واعتبارا. وقام الأستاذ رئيس الجمعية فعرض على الحاضرين الحالة الأدبية للجمعية عن السنة الماضية، فأبان لهم أن الجمعية قد أحرزت على الثقة التامة من هذا الشعب الكريم، وأن لها عند الله الأجر الموفور والثواب الجزيل، وعند الناس الأحدوثة الحسنة، والسمعة الطيبة، والذكر الجميل, ثم قام الأستاذ الميلي أمين مالية الجمعية فقال أنه لا يستطيع أن يعرض في هذه الساعة الحالة المالية للجمعية لأن بعض رؤساء الشعب لم يدفعوا إليه ما تحصل لديهم من مال الجمعية الآن في هذا الصباح، وطلب أن يؤخر عرض الحالة المالية إلى صبيحة الثلاثاء ريثما يتمكن إتمام الحساب. وقام الأستاذ العمودي الكاتب العام (أمين السر) للجمعية فتلا قائمة طويلة بأسماء السادة الذين كانوا عزموا على حضور هذا الاجتماع، ولأسباب قاهرة تخلفوا مضطرين وأرسلوا ببرقيات التأييد ورسائل الاعتذار. وكان عدد هؤلاء المعتذرين عددا كثيرا. ثم قام الأستاذ الرئيس مرة أخرى وقرأ على الناس برقية احتجاج وتظلم وشكوى أرسلها الرئيس باسم الجمعية إلى رئيس الوزراء وإلى وزير الداخلية وإلى رئيس مجلس الشيوخ وإلى رئيس مجلس النواب وإلى رئيس جمعية حقوق الرجل وإلى سمو الوالي العام على القطر الجزائري وإلى آخرين من رجال السياسة