ــ ـ[عمود:١]ـ (جاهلية) فيقول عن نفسه: كنت في (جاهليتي) أعتقد كذا وكذا. . وأفعل كذا وكذا. .). وكان في الحاضرين (طرقي) قديم قد انظم إلى المصلحين أخيرا فقال: وأنا الآخر كنت طرقيا, وكنت متعصبا عنيدا, لا أحب إلا طريقتي وإخواني فيها, وكنت أحمل كراهية شديدة لأتباع الطرق الأخرى الذين ليسو (إخواني في الشيخ)! وكل إخواني في الطريق يبغضون من لا يكون على طريقتهم ويستدلون لهذه البغضاء التي يحملونها لإخوانهم المسلمين بقوله تعالى: (<<. . . ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم. . .))) ويعتقدون أن هذه الآية الكريمة إنما تحثك على أن تحب أخاك في الطريق وتحثك على أن تقاطع المقاطعة التامة كل من لا يكون معك على دينك أي على محبة الشيخ! وأنا نفسي ما فهمت هذه الآية على وجهها إلا بعد أن حضرت درسا لعالم من هؤلاء العلماء المصلحين, فقد سمعته ينهي عن بغض الغير وعن كراهيته لمجرد أنه يخالفك في الدين أو العقيدة, واستدل على ذلك بقوله تعالى: (((وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون, ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم. . .))) وهنا فقط عرفت أن إخواني في الطريق قد حرفوا هذه الآية الكريمة عن موضعها وأن طائفة من أهل الكتاب هم الذين يتواصون بكراهية الغير وببغض من لا يتبع دينهم فيما حكى الله عنهم بقوله (((ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم))) وقد رد عليهم الله تعالى هذا القول فقال: (((قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم))) وهكذا كثير من الآيات تكون في
ـ[عمود٢]ـ الحث على الخير ولكننا نفهمها على عكس المراد, وكان من كراهيتنا لأتباع الطرق الأخرى أننا لا ننزل ضيوفا إلا على من تبع ديننا (طريقتنا) ولا نكرم ضيوفا لا يكونون على طريقتنا ولا نجتمع معهم في حلقة ذكر, وأذكر أن رجلا كان أخانا من الشيخ له مكانة بيننا وكنا نحبه ونحترمه وما هي إلا أن أخبرنا أحدنا بأنه رآه في بلدة أخرى في حلقة ذكر لطائفة أخرى حتى كرهناه وهجرناه, وأخبرنا سيدنا به وبما فعلناه, فقال نِعمَ ما فعلتم لا تتساهلوا فيمن يخل بشيء من آداب الطريق ولا تخالطوا من يفسد عليكم نيتكم في الشيخ, ولا تصلوا وراءهم وكل من صلى منكم وراء إمام ليس على طريقتنا ولا يجتمع معنا على محبة الشيخ فصلاته باطلة تجب عليه إعادتها, وسأل رجل وقال: يا سيدنا إني أريد أن أستشيرك في أمر يهمني, قال: وما هو؟ قال إن ابني قد كبر وأردنا أن نزوجه وخطبنا له كريمة فلان إلى أبيها فوعدنا خيرا ولكنها من بنات طريقة أخرى لا من بنات طريقتنا, وهي فتاة من الفتيات الصالحات, فقال له سيده وكيف تكون صالحة وهي ليست من بنات طريقتنا؟ ولم تدخل زاويتنا قط! فقال الرجل عسى الله أن يهديها فتعتنق طريقتنا وتزور زاوية سيدنا! فقال له سيده: اشترطوا عليها أن تترك طريقتها إلى طريقتنا فإذا رضيت بهذا الشرط فذلك ما كنا نبغي, وإلا فلا تعزموا عقدة النكاح, وتكلم له رجل وقال: يا سيدي إن الآنسة فلانة التي توفي عنها أبوها أخيرا وكانت من بنات طريقتنا قد أعجب بها فتى ليس منا فأبت أن تقبله لها بعلا حتى يترك طريقته إلى طريقتنا, وقد تزوجها على هذا الشرط وأصبح أخا لنا في الشيخ.
ـ[عمود٣]ـ فقال سيدنا أحسنت هذه الآنسة وهي محبة في الشيخ وإن عملها هذا هو من الصالحات ومن أفضل ما يقربها إلى الله زلفى, ففرحنا نحن بها وصرنا نسميها سكينة تشبيها لها بسيدتنا سكينة بنت زين العابدين رضي الله عنهما. قال الراوي: ولا أكتمكم أنه قد يكون بيني وبين الرجل صلة القربى, وقد تجمعني به كل الروابط والصلات, وقد يكون مهذبا ولكنني لم أكن أثق به ولا أطمئن إليه, لا لشيء سوى أنه لا يوافقني في الطريق! وقد يكون الرجل لا قرابة بيني وبينه وليس بيننا أية صلة أخرى ولكني أثق به وأطمئن إليه, وأشعر نحوه بحب شديد لا لشيء سوى أنه أخي من الشيخ, وهذا هو ما كان يوصينا به أسيادنا ورؤساء طريقتنا جميعا وكان اليهود في بعض نواحي الصحراء قد دخلوا هم أيضا في الطرق الصوفية من غير أن يدخلوا في الإسلام, وكان قد اعتنق طريقتنا منهم عدد غير قليل فجعل سيدنا عليهم ((مقدما)) يهوديا منهم. قال الراوي: ولا أكتمكم أننا كنا نحب هذا المقدم اليهودي ونحب هؤلاء اليهود الذين هم إخواننا من الشيخ أكثر مما نحب أي مسلم من المسلمين الذين يتبعون الطرق الأخرى, وكما أن اليهود يسمون غيرهم الكوييم فإننا نحن أيضا نسمي غيرنا من المسلمين باسم القراميط. وبالجملة فلم نكن نعرف الحب في الله, والبغض في الله وإنما كنا نعرف الحب في الشيخ والبغض في الشيخ, على أن الطرق الأخرى يحمل أتباعها لنا من الضغينة والحقد أكبر مما يحمل لهم أتباع طريقتنا فقد جربت ذات يوم أن أتودد إلى أهل طريقة فرفضوا ودَادي, وذلك أني جلست معهم في حلقة لهم