والجواب عما اعتذرا به: "أن المراد قلتين بقلال هجر؛ كما رواه الإمام الشافعي في "الأم"، و"المختصر" ... ". قلت: وسيأتي التنبيه عليه. وفهم بعضهم هذا الحديث بلفظة: "لا يحمل الخبث"؛ أي: يضعُف عن حمله، فعاد الاستدلال بالحديث كأنه هباء أو ماء، وهذا خطأ فاحش من أوجه -وإن قال عنه ابن عبد البر: "محتمل التأويل"-: أحدها: أن الرواية الأخرى مصرحة بغلطه، وهي قوله: "لم ينجس". الثاني: أن الضعف عن الحمل إنما يكون في الأجسام، كقولك: "فلان لا يحمل الخشبة"، أي: يعجز عنها لثقلها. وأما المعاني؛ فمعناه: لا يقبله، ومعنى الحديث الصحيح: "لا يقبل النجاسة، بل يدفعها عن نفسه، كما يقال: فلان لا يحمل الضيم؛ أي: لا يقبله ولا يصبر عليه، بل يأباه". ثالثها: أن سياق الكلام يفسده؛ لأنه لو كان المراد أنه يضعف عن حمله؛ لم يكن للتقييد بالقلتين معنى، فإن ما دونها أولى بذلك. فإن قيل: هذا الحديث متروك الظاهر بالإجماع في المتغير بنجاسة؟ فالجواب: أنه عام، خص منه المتغير بالنجاسة؛ فيبقى الباقي على عمومه، كما هو الصحيح عند الأصوليين. فإن قيل: هذا الحديث يحمل على الجاري؟ فالجواب: أن الحديث يتناول الجاري والراكد؛ فلا يصح تخصيصه بلا دليل، قاله ابن الملقن في "البدر المنير" (٢/ ١١٣)، والنووي في "المجموع" (١/ ١١٥)، والمنذري في "مختصر سنن أبي داود" (١/ ٥٧). وسيأتي كلام بديع للمصنف فيه ردٌّ على هذا الاعتراض. =