للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحد منهما صاحبه على هذه الصفة ورأيت في صدر الخلوة حوضاً رخاماً مضلعاً وعليه مركب في صدره أنبوب من ذهب بفتح ويغلق بلولب يدار وفوقه أنبوب أخر مثله برسم الماء الحار وفوقه أنبوب آخر برسم الماء البارد والأنبوب الأول برسم الماء الفاتر وعن يمين الحوض ويساره عمودان صغيران منحوتان من البلور يوضع عليهما مباخر الند والعود ورأيتها خلوة شديدة الإضاءة مفرحة بديعة قد أنفق عليها أموال كثيرة وسألت الخادم عن هذه الحيطان المشرقة المضيئة من أي شيء صنعت فقال ما أعلم فما رأيت في عمري ولا سمعت بأحسن من هذه الخلوة ولا احسن من هذه الحمام مع أنني ما احسن أصفها كما رأيتها فإنه لم تتكرر رؤيتي لها ولا اتفق لي الظفر بصناعتها ومباشرتها وفي الذي ذكرت كفاية، انتهى كلام الحكيم بدر الدين حسن بن زفر الأربلى ومن خطه نقلت هذه الفوائد: وقال بعضهم فيه ملغزا:

ومنزل أقوام إذا ما تقابلوا ... تشابه فيه وغده ورئيسه

تنفس كربى إذ تنفس كربه ... ويعظم أنسى إذ يقل أنيسه

إذا ما أعرت الجوّ طرفا تكاثرت ... على من به أقماره وشموسه

وقال العفيف التلمساني:

مررنا بحمام كانا نحجه ... وقد عقدت منا المآزر نحرم

فلما حللنا منه صدرا كأنما ... غدت فيه نيران الصبابة تضرم

بكت منه أجفان الأنابيب بيننا ... كإنا له اللوم وهو المتيم

وقال محاسن الشواء الحلبي:

شدوا المآزر فوق كثبان النقا ... بأنامل حلوا بها عقد التقى

وتجرّدوا فرأيت بأن معاطف ... نشروا ذوائبهم عليه فأورقا

وبدوا فأطلع كل وجه منهم ... بدرا فأضحى كل قطر مشرقا

وتضوّع الحمام مسكا عندما ... فرطوا من الاصداغ نظما معقبا

منم كل أهيف حل عقدة بنده ... وغدا بلحظ عيوننا متمنطقا

وقال جمال الدين يوسف الصوفى في مليح تركى دخل الحمام وبخ ماء ورد:

ولم أنسه لما تعرَّى ثيابه ... وجاء إلى حمامه يتخطر

ولما أفاض الماء فوق قوامه ... وفي وجهه نور من الحسن يظهر

أتانا هلالا تحته غصن فضة ... يلوح عليه لؤلؤ يتحدَّر

فقلت أظبى الترك قد فاح مسكه ... أم الورد من خديه يحمى فيقطر

دخل ابن بقى الحمام وفيه الطليطلى فقال له ابن بقى أجز:

حمامنا كزمان القيظ محترم ... وفيه للبرد برد غير ذي ضرر

فأجازه بقوله:

ضدان ينعم جسم المرء بينهما ... فالغصن ينعم بين الشمس والمطر

وقال ابن رشيق:

ولم أدخل الحمام ساعة بينهم ... طلاب نعيم قد رضيت يبوسى

ولكن لتجرى عبرتى مطمئنة ... فأبكى ولا يدرى بذاك جليسى

أخذه صدر الدين بن الوكيل فقال:

ولم أدخل الحمام من أجل لذة ... فكيف ونار الشوق بين جوانحى

ولكنني لم يكفنى فيض مقلتى ... دخلت لأبكى من جميع جوارحى

وأنشدنى من لفظه لنفسه الشيخ الورع الزاهد الثقة شمس الدين محمد بن سمنديار الذهبي مضمناً:

لم أبغ بالحمام طيب تنعم ... أفنى البكاء دموع عيني أجمعا

فبكيت فيه أسى بجسمى كله ... حتى كان لكل عرق مدمعا

وأنشدنى سيدي ومولاي القاضي صدر الدين بن الآدمى فسح الله في أجله:

إن حمامنا التي نحن فيها ... أي ماء بها وأية نار

قد نزلنا بها على ابن عين ... وروينا عنه صحيح البخارى

كتب الشيخ صلاح الدين الصفدي في حواشي المقامات عند ذكر ابن سكرة وذكر كافاته هو أبو الحسن محمد بن عبد الله بن سكرة الهاشمي من ولد علي بن المهدي قال دخلت يوماً وخرجت وقد سرق مداسي فعدت إلى داري حافياً وأنا أقول:

إليك أذم حمام ابن موسى ... وإن فاق المناطيبا وحراّ

تكاثرت اللصوص عليه حتى ... ليحفى من يطيف به ويعرى

ولم أفقد به ثوباً ولكن ... دخلت محمدا وخرجت بشرا

نادرة: اتفق أن اثنين سبحاً في نهر فلما خرجا صفع أحدهما صاحبه فقال له بعض الحاضرين أين فلوس الحمام فقال أنزلتها في القرعة.

وقال النصير الحمامى:

لي منزل معروفه ... ينهل جودا كالسحب

أقبل ذا العذر به ... واكرم الجار الجنب

ووعده السراج الوراق وتأخر فقال:

وكدّرت حمامي بغيبتك التي ... تكدر من لذتها صفو مشربي

<<  <   >  >>