للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن أقوى حججهم: أن الحج إنما فرض في السنة التاسعة على الصحيح (١)، ولم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في السنة العاشرة، ولو كان واجباً على الفورية لم يتخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرض عليه (٢).

قلت: القول الراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول - أن الأمر يقتضي الفور - وهو قول الجمهور لقوة ما استدلوا به، ولأنه الأصل، والأبرأ للذمة، والفور: هو مقتضى الأمر عند أهل اللسان؛ فلو قال السيد لعبده: أسقني، فأخر حسن لومه وتوبيخه (٣)، ولأن الامتثال على الفور إسراع في الخير، ولا خلاف بين العلماء أن التعجيل أفضل (٤)، ولأنه لو قيل على التراخي فلا يخلو من أحد حالين:

الأولى / أن له التأخير أبداً ولا يكون مفرطاً.

الثانية / أنه يكون مفرطاً مستحقاً للوعيد إن مات قبل فعله.

فإن قلنا: إنه لا يكون مفرطاً بتركه طول حياته، فهذا خرج عن حد الواجب إلى النوافل لأن ما كان مخيراً بين فعله وتركه فهو نافلة أو مباح، وهذا باطل وما أدى إليه فهو باطل.

وإن قلنا: يلحقه الوعيد بالموت أدى إلى أن يكون الله ألزمه إتيان عبادة في وقت لا يعلمه ونهاه عن تأخيرها عنه، ولا يجوز أن يتعبده الله بعبادة في وقت مجهول، كما لا يجوز أن يتعبده بعبادة مجهولة؛ فإذا بطل هذا القسمان صح القول بأن الأمر على الفور وهو الحق (٥).


(١) والدليل على ذلك أن آية وجوب الحج في صدر سورة آل عمران، وصدر هذه السورة نزل عام الوفود، ينظر: تفسير ابن كثير ٢/ ٧٣٨، الشرح الممتع ٧/ ١٧.
(٢) ينظر: الأم ٢/ ١١٨، بدائع الصنائع ٣/ ٤٢.
(٣) ينظر: روضة الناظر ٢/ ٨٨.
(٤) ينظر: بدائع الصنائع ٣/ ٤٣.
(٥) ينظر في هذه المسألة: العدة ١/ ٢٨١، الواضح ٣/ ١٦، روضة الناظر ٢/ ٨٥، المسودة ص ٢٤، شرح الكوكب المنير ٣/ ٤٨.

<<  <   >  >>