للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والجواب: أنه لا بد من التفصيل حتى يتبين الكلام السليم:

فأولاً: أهل السنة يقولون: إن الله وإن كان مريداً للمعاصي قدراً، فهو لا يحبها ولا يرضاها، ولا يأمر بها، بل يبغضها، وينهى عنها، وهذا هو قول السلف قاطبة.

ثانياً: المحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان:

إرادة قدرية كونية خلقية، وإرادة دينية أمرية شرعية.

فالإرادة الشرعية: هي المتضمنة للمحبة والرضى، مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥]، وهي مقصودة لذاتها، ولا يلزم وقوعها، فقد تقع وقد لا تقع.

والإرادة الكونية: هي المرادفة للمشيئة الشاملة لجميع الحوادث، مثل قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:٢٥٣]، وهذه لا بد من وقوعها، وقد يحبها الله ويرضاها وقد لا يحبها ولا يرضاها، وهي مقصودة لغيرها؛ كخلق إبليس وسائر الشرور؛ لتحصل بسبب ذلك المجاهدة والتوبة والاستغفار وغير ذلك من المحاب (١).

ومن لم يثبت الإرادتين ويفرق بينهما فقد ضل كالجبرية والقدرية، فالجبرية أثبتوا الإرادة الكونية فقط، والقدرية أثبتوا الإرادة الشرعية فقط، وأهل السنة أثبتوا الإرادتين وفرقوا بينهما (٢).

وتحقيق هذا مما يبين فصل النزاع في أمر الله تعالى، فليس بين الأمر والإرادة تلازم، فالواحد منا يأمر غيره وينهاه مريداً نصحه ومبيناً ما ينفعه، وإن كان مع ذلك لا يريد أن يعينه على ذلك الفعل، فجهة أمره لغيره نصحاً غيرُ جهة فعله لنفسه، وإذا أمكن الفرق في حق المخلوقين، فهو في حق الله أولى بالإمكان (٣).


(١) والإرادتان الشرعية والكونية تجتمعان في حق المخلص المطيع، وتنفرد الإرادة الكونية في حق العاصي.
(٢) شرح العقيدة الواسطية للفوزان ص ٤٢.
(٣) شرح العقيدة الطحاوية ١/ ٧٩ وما بعدها بتصرف.

<<  <   >  >>