للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن أبي العز (١): (فإن قيل كيف يريد الله أمراً ولا يرضاه ولا يحبه؟ وكيف يشاؤه ويكوّنه؟ وكيف يجمع إرادته له وبغضه وكراهته؟. قيل هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقاً، وتباينت طرقهم وأقوالهم، فاعلم أن المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره؛ فالمراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته وما فيه من الخير، فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد، والمراد لغيره قد لا يكون مقصوداً للمريد ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث إفضاؤه وإيصاله إلى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما، وهذا كالدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه، وإرادتِه بالظن الغالب، وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف ممن لا يخفى عليه خافية فهو سبحانه يكره الشيء ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره، وكونه سبباً إلى أمر هو أحب إليه من فوته) (٢).

ويقال: إن جميع ما أمر الله به وحصل منه ضررٌ فبه حكمة مطلوبة ولا يكون شراً مطلقاً، وإن كان شراً بالنسبة إلى من تضرر به، ولهذا لم يأت في كلام الله ولا كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - إضافة الشر إلى الله سبحانه، بل يذكر على أحد أوجه ثلاثة:

١ - أن يدخل في عموم المخلوقات، وهنا يفيد عموم القدرة والمشيئة والخلق كقوله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:١٦].


(١) هو أبو الحسن علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي الحنفي من مصنفاته شرح العقيدة الطحاوية مات سنة ٧٩٢ هـ، له ترجمة في: الدرر الكامنة ٣/ ٨٧، شذرات الذهب ٦/ ٣٢٦.
(٢) شرح العقيدة الطحاوية ١/ ٣٢٧.

<<  <   >  >>