للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم إن الجمهور اختلفوا: فبعضهم يفسر [الباء] بـ[من] (١)، أي: إنما أنزل من علم الله، وبهذا فسرها ابن عقيل.

قال شيخ الإسلام: (وقوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:١٦٦]، قال الزجاج: أنزله وفيه علمه، وقال أبو سليمان الدمشقي: أنزله من علمه، وهكذا ذكر غيرهما، وهذا المعنى مأثور عن السلف) (٢).

وبعضهم يفسر [الباء] بمعناها الأصلي: وهو الإلصاق (٣)، وهو أقرب للصواب، وأقوى في الدلالة؛ فيكون المعنى: أنزله وفيه علمه (٤).

قال ابن القيم: (وقال تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:١٦٦]، أي: أنزله وفيه علم لا يعلمه البشر، فالباء للمصاحبة، مثل قوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود:١٤]، أي: أنزل وفيه علم الله، وذلك من أعظم البراهين على صحة نبوة من جاء به، ولم يصنع شيئاً من قال: إن المعنى أنزله وهو يعلمه، وهذا وإن كان حقاً فإن الله يعلم كل شيء، فليس في ذلك دليل وبرهان على صحة الدعوى، فإن الله يعلم الحق والباطل، بخلاف ما إذا كان المعنى أنزله متضمناً لعلمه الذي لا يعلمه غيره إلا من أطلعه عليه وأعلمه به) (٥). والله أعلم.

قال تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥)} [هود:٤٥].


(١) ينظر: العدة ١/ ٢١٢، تفسير السمرقندي ٢/ ١٤١، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ص ٥٥.
(٢) مجموع الفتاوى ١٦/ ٤٦٤.
(٣) ينظر: رصف المباني ص ٢٢٢، الجنى الداني ص ٤٦.
(٤) ينظر: الكشاف ٢/ ٣٦٤، تفسير البيضاوي ٣/ ٢٢٥، معالم التنزيل ٢/ ٣١٧، تفسير النسفي ٢/ ١٨٢، روح المعاني ١٢/ ٢١.
(٥) الصواعق المرسلة ٣/ ٨٧٧.

<<  <   >  >>