للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- فإن قيل: ما الفائدة من نداء الحسرة وهي لا تعقل؟

أجاب على ذلك الزجاج بقوله: ({يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:٣٠] وقرئت: (يا حسرةَ العبادِ) (١) بغير على، ولكني لا أحب القراءة بشيء خالف المصحف البتة، وهذه من أصعب مسألة في القرآن، إذا قال القائل ما الفائدة في مناداة الحسرةِ، والحسرةُ مما لا يجيب؟ فالفائدة في مناداتها كالفائدة في مناداة ما يعقل (٢)؛ لأن النداء باب تنبيه، إذا قلت: يا زيد، فإن لم تكن دعوته لتخاطبه لغير النداء فلا معنى للكلام، إنما تقول: يا زيد؛ فتنبهه بالنداء، ثم تقول: فعلت كذا وافعل كذا، وما أحببت مما له فيه فائدة، ألا ترى أنك تقول لمن هو مقبل عليك: يا زيد ما أحسن ما صنعت، ولو قلت له: ما أحسن ما صنعت، كنت قد بلغت في الفائدة ما أفهمت به، غير أن قولك: يا زيد، أوكد في الكلام، وأبلغ في الإفهام) (٣).

وقال السمعاني: (والجواب عنه: أن معنى قول القائل: يا حسرة، مثل قوله: يا عجباً، وكذلك قوله: يا حسرتاه، مثل قوله: يا عجباه، والعرب تقول هذا على طريق المبالغة، والنداء عندهم بمعنى التنبيه، فيستقيم فيمن يعقل وفيمن لا يعقل) (٤). والله أعلم.


(١) ينظر: المحتسب ٢/ ٢٠٨.
(٢) في معاني القرآن وإعرابه المطبوع: (ما لا يعقل)، والأولى المثبت، ينظر: لسان العرب ٤/ ١٨٩.
(٣) معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٢٨٤.
(٤) تفسير السمعاني ٤/ ٣٧٥.

<<  <   >  >>