للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلم نزلْ نَحْضُرُ بجامع اجتماعِه، ونشكرُ عَرْفَ عرائس اَستماعه، إلى أن دخل ذاتَ يوم بعضُ وصفائِه، وقد أحدقَتْ به عيونُ أصفيائهِ، وقالَ: أراك متثبطاً عن عيادةِ خطيبكم، المُظهرِ ما يفوقُ نفحاتِ رطيبِ طيبكُم، فقالَ له: تاللهِ لقد استدعيتَ بكاءَ الثواكلِ، وهديْتَ الضيفنَ إلى مهيع المآكلِ، وطلبتَ القُبَلَ من العاشقِ، وسكبتَ الغالية لدَى الناشقِ، ثم قالَ لهم: هَلْ لكم في اقتناءَ هذه المندوية واجتناءَ ثمارِ هذهِ المثوبةِ، فقالوا له: قَسَماً إنَّكَ لَكَمَنْ سألَ النارَ الوقودَ، والفُهودَ الرقودَ، والحُمام الحِمامَ وإلْفَ طِيْبِ مَوطنه الحَمامَ، فقلتُ لهم: أتأذنونَ لي يا أولي الضِّمار، أَنْ أكون فِسْكَلَ هذا المِضمار فقالوا: بل إنْ هويتَ اهتمامنا، فكن إلى إمامِنا أمامَنا، فتقدَّمَ إذ ذاك قلبي مَعْ وفاقه، خالياً مِنْ نفاقهِ، تقدُّمَ النَّعْتِ على رفاقِه، ولما خَرَجْنَا لجَلْهةِ الأدَبِ وواديه، وولجْنا مِنَى أَياديهِ، مَعَ التيمُّنِ بيُمْنِ مُنَى مناديهِ، ألفيتُ المشارَ إليه، والمشتارَ منْ ضُرُوب الضَّرَبِ لدَيه، الليثَ المِدْرَهِيّ، أبا نصرِ المصريَّ، فمِلْنَا إلى إعمالِ واجبه، واستلام رواجبه، والقعودِ بإذْنِ حاجبِ حاجبهِ، وحينَ احتلسْنا بِساطَهُ، وحَمِدْنَا محاسنَ سَمْتِهِ وسراطه، جعل يلحظ طلاوة تلافينا، ويُقلِّبُ كَفَّيْ وكْف طَرَفهِ فينَا، ثمَّ قالَ لي: يا ابن جريالَ جَرعتُ جريال الجَرَض المبرّح، ولَقِمْتُ لقَمَ نِقَم المَرَض المُقَرِّح، وأنا ْبسلع لسع السقم مقيم، وأنتَ بهذه البقعة مقيمٌ مستقيمٌ، ثم إنَّه تتابع أناُنهُ، وتهافت ذُنانُهَ، فقلتُ لهُ: لم أشعُرْ بدائِكَ، لعدمِ ندائكَ، وها أنا بحذائِكَ، لحملِ حذائكَ، فعليَّ ما تشاءُ، وعليكَ الإجابةُ فيها أشاءُ، ثمَّ إنّي عَمَدْتُ إلى نَبْضِهِ الخَفوقِ، فوجدته مشتملاً على الطولِ والعَرْضِ والشُّهوقِ، فعلمْتُ بفِطْنَةٍ فاردةٍ، أنَّهُ عن حاجةٍ داعيةٍ، وآلةٍ مساعدةٍ، فقلتُ له: ما صنعتَ في حُمّاكَ، جُعِلْتَ من حُمة هذه الحمى حِماكَ، فقالَ لي: أرقْتَ من دَم الباسليقِ، ما أشرفَ بي على مفارقةٍ الفَريق، مع معرفتي بإسعافِ المُنَّةِ والسّنِّ، والوقتِ الصائف وصحة الذهنِ، واستعمالِ الملائِم أيام البحارين، وإهمال لطيفِ الأغذيةِ والمتين، وتناول المتوسطِ من الغَذاء، لحِفْظِ القهوةِ ووقوف الداء، فقلتُ له: بِمَ يساعدُكَ النّطاسي، وبطولِ ساعدِ يمينِ علاجك تشهدُ الأناسي، وفي غدٍ تتسنّمُ معارجَ منبرِكَ، وتترنَّمُ البَشَرُ بإنشادِ لذيذِ مَخْبرِكَ قالَ القاسمُ بنُ جِريال: فَلم يمض يومانِ، حتى واصلَ كواعبَ الأمانِ، وفارقَ شرة نَدمانِ ذلكَ الإدمانِ، ومُصِحَ عَرَضُ حُميّا حَمْوهِ فحالَ، ومُسحَ حَمَمُ مُحيا حاله فاَستحال، واعتدلَتْ عَضَلُ أعضائهِ الموؤفَةِ، وعدلَتْ إليهِ الأعراضُ المناسبةُ بعدَ المخوفةِ، غيرَ أنَّ الحُمَّى غادرتْ بشفتيهِ بَثْراً يَشُقُّ بهِ تحريكهما عليهِ فحمِدتُ اللهَ تعالى على نزع أغلالِ أعلالهِ، وَحيْعَلةِ أذان بِلالِ إبلالهِ، وقلتُ لَهُ: تالله لقد أحسنتَ في التدبيرِ، وعرفت صَوْبَ القبيلِ والدَّبيرِ، فلذا نجوتُ من غيابةِ هذه البيرِ، فقالَ لي: هذا نماءُ عافية من عِلاجكَ بَذْرُهُ، وانتماءُ سُمُوِّ سلامة من سماء انعياجِكَ بَدْرهُ، قالَ: فبينما نحن نتفاوضُ، ونذكرُ النّخُبَ ونتقارضُ، إذ برزتْ دعاةُ الجُمعَةِ بإعلامِها، متبرجةً ما بينَ أعلامِها، فقلتُ لَهُ: إنَّ وقْتَ الخطابةِ قد أطلّ، وانتظر صيِّبَ لُبابِكَ والطَّلَّ، ولا بدَّ للجمعة من صَلاةٍ، كما لا بدَّ للموصولاتِ من صِلات، فكيفَ تستطيعُ تحريكَ شفتيكَ، لأداء دُرَرِ خطبتيكَ، فقالَ لي: أنشِئُ خطبةً حنيفيّةً، ناصعةَ الفصاحةِ صفيّةً، يعجزُ عن عديدِ وصفِها الحاسبونَ، وتخضَع لوصيد باب خطبها الخاطبونَ، تسكنُ بحركةِ فَم قائلها الشِفاهُ، ويجدُ بها سليمُ أساوه الشظَف شِفَاهُ، لا يمرُّ شُهدها بدَنفٍ إلاّ شَفَاهُ، ولو أشفَى على جِزْع وادي الجَزَع وشَفاهُ ثم نهضَ يتبرنَس، يتدربسُ ويتبهنس، إلى أن صعدَ منبرهُ، وخَمَرَ قَرنَ قوّته وسَبَرهُ، فقامَ لإعلانها، بعدَ إكمال أذانها، وقالَ: شَكر لساني الصادقَ القديرَ، القاهرَ النصيرَ، الرازقَ الخلاقَ الخالقَ الرزاقَ، العزيزَ

<<  <   >  >>