للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لاَ تلُم المرءَ على شُرْبهِ ... رحيقَ صِرْفٍ خافضٍ شَانَه

فأنْفَسُ الناس الذي زانَهُ ... مَلابس الفَخْرِ وإنْ شانه

قال: فلما سلمتُ من سُموم اَنزعاجهِ، وعلمتُ أنّهُ لا يفرق بينَ أبنوسهِ وعاجهِ، ملُتُ إلى تسكينِ عَجاجهِ، وتحريكِ مُجاجهِ، وطَفِقَ هو يقضِّف خَصرَ مخاصمتهِ، وينظِّفُ دارَ دأماءِ منادمتهِ، لئلا يُعمَّنا إعراضٌ، ولا يَغُمُّنا غَضَبٌ وانقراض، ولَمْ يزلْ يُسكّنُ هُوج حَردِهِ ويُثقَّفُ عوجَ لَدَدِهِ، إلى أن أزالَ استيحاشَنا، وضمَّنا مخدعُ المخادعة وإحتاشنا، ثم إنّنا عُجْنَا على تجديدِ درَيسنا، وتخديد خدودِ خندريسِنا، حتى طربَ الحزينُ، واضطربَ العقل الرزين، وجنحت النواقبُ، وملّ القلبُ الناقب ولمّا وصلَ إلى المُقَلِ نصيبُها، وحَصَلَ من سحابِ الوَسن ما كانَ يصيبُها، هَبَّ من رُقادهِ، وشكَر نشوةَ عنقادِه، فسلّمْتُ عليه سلامَ مَنْ عرَجَ في مَعارج دارهِ، ودرجَ في مدارج استهتارهِ، ثم استأذْنتُهُ في ذَهابي، مخافةَ ملل إسهابي، فرمقني بطرفهِ، ورشقني بسهام ظرفهِ، وقالَ لي: يا بنَ جِريال أتطمعُ أن تسهل بلا حَزْنٍ، أو تسكر بهذهِ الدسكرة من غيرِ وزْنٍ، لاَ واللهِ حتى تزنَ ما حصك، أو ترهنَ على ثمنِ ما ارتضعتَهُ قُمْصَكَ، أو ما علمتَ أنَّ مثَلَك أرصدُ، وأننّي أحصدُ ولا أزرع، فكيف أزرعُ ولا أحصدُ، فخفِّضْ من بأسِكَ، وسَلِّ نفسَكَ في مخالعةِ لباسكِ، قالَ: فأقبلتُ أقْلبُهُ في قالبِ المزاحةِ، وأسلكُهُ في سُلوكِ الاستراحةِ، وهو يتصلبُ، ويتقلبُ ويتألبُ، إلى أن علمتُ أنَّهُ لا بدَّ من استلابي، وكسفِ بياض صَفَا مصافاتي ولابي، فسمحتُ له بصّرتي، وحسرتُ له ما بين ثنتي وسرّتي، فأبىَ إلاّ أنْ أشفعَها بأثوابي، رهنَاً على رحيق أكوابي، فألقيتُ إليهِ الصّفيَّ، وأظهرتُ له الخفيَّ، وخشيتُ أرشيةَ شرِّهِ، والنّفيَّ، وحينَ عضَضتُ كفي، وقبضت وقفي، وبايعتُ واللجُّ على قفيًّ، لعنت عقبي ذلك التخويلِ، وَذَممت طالعَ ذلك التَّحويلِ، وَجَرِعْتُ عَلْقَمَ ذيّالكَ التَّنويلِ، وخَرجتُ مِنْ بيتهِ وأنا لا أمْلك سوى السراويلِ.

[المقامة الثالثة والعشرون المجدية الفارقية]

أخبر القاسمُ بنُ جريال، قالَ: مِلْتُ مذ مللتُ مصاحبةَ الحلالِ، ومجانبةَ الظِّلال، ومنادمةِ البيدِ، ومسابرة الأساودِ والسِّيْدِ إلى اعتلاءِ الحشيَةِ، وامتراءِ المشيّةِ، وشراءِ الشّملّةِ الحُوشيةِ، فلم أزل مدَةَ طلب تلك الوتيرةِ، واقتناء الطنافس الوثيرة، وإصلاح السريرة، ونهوض جِحَفْلِ المريرةِ، أجانبُ المنافقينَ، وأشاورُ المرافقين، وأسترشدُ المفارقين، في استيطانِ ميا فارقين، فكلٌّ أجمعَ عليها، وحضني على الورودِ إليها، فحينَ أتختُ بها كَلْكَلَ المَرامُ، ونفختُ في مَعْمَعَةِ ذلك الإضرِام، بادرتُ إلى تحصيلِ ما لَهُ ألويْتُ، واتّصلُ بأناملِ الغَرَض البَيْتُ وكنتُ أيّانَ نشر هذا الإنابِ، وكسرِ سنِّ بابِ النوائبِ والنابِ، سَبْعتُ ستةَ سبعتْ أربابَ الجرائم، وسَعَتْ حولَ أركان كَعْبةِ بيتِ الغنائم: الطويل.

تجودُ بما تَحْوي جِزافاً وتجتَنْى ... ثِمارَ الثّنا في كلِّ أغبرَ قاتم

ففي كلِّ فكٍّ منهمُ ألفُ خَاتِم ... وفي كُلِّ كَفِّ منهمُ ألفُ حاتم

<<  <   >  >>