ولا بَرحَ في سعادةٍ لا يُكْفَتُ ذيلُ سِرْبالها ولا تكفُّ كَفوفُ الغير كفوفَ آمالِها. ولا انفكَّ في سيادةٍ لا يغيبُ بدرُ كمالِها، ولا تثلُم وقائعُ القدر قواضبَ إقبالِها. مؤيَّداً بنُجح جَلالةٍ لا تحجِمُ نضالها، ولا تخيمُ عَنْ خيول المِنَح جحافلُ إفضالِها مقلّداً بلهاذم هداية لا تُفْصم عُرى مجالِها، ولا يقصمُ جارحُ الوَجَل جناحَ إجلالها. من التَّوق المبرح العاكفِ وشَدّة الشوق الشديدِ المتضاعفِ.
ما كَثرُ لرصْفِ وصفه الطُروسُ، وعجزَ عن دفع أعباءَ عيائهِ جالينوسُ. الفكرُ الذي حرّم حُميَا المِراح، وأحرمَ بجُحفةِ إجحافِ حلاوةِ حدّ الصُّراح. وسلبَ طِيبَ لذَّةِ المهادِ، وسكَبَ بَنَانَ كراهيتهِ كأساتِ الاضطهادِ.
فاللهُ يجُودُ بجَودِ عِهادِ ذلكَ الشهاد، ويُعيدَ عيدَ سَحِّ إرعادِ ذلك المرعادِ.
أيّدَ اللهُ الخادمَ على حملِ مِنَنِكَ المورقات، وحَمْدِ مِنحكَ السابقاتِ الباسقاتِ.
وأراحه من بُرَحاء أرقه وشفَاهُ وأهّلَهُ لمدْح تكِلُّ عن بثّهِ الألسنُ والشِّفاهُ.
وقد كانَ عوْدنا كَفُّ كرَمِكَ الكامِلُ الأنعام، وأرضعنا ثَدْىُ بَرِّكَ ما أنسَى مرارةَ الفطام.
وأتحَفنَا سَيْبَ رِفدِكَ بما يُغنى عن الانتجاع، ويُوجبُ لكَ القيامَ على ساقِ السَّمع والطاعَ.
فعلامَ نَصلَ اخضرارُ ذلكَ الخِضابِ، وهطَل قِطْقِطُ طُولِ القطيعةِ والانقضاب.
وأنا طرت رماحُ حُسنِ الاتحادِ، وظهرتْ رياحُ المَللِ من بيوت عادِ الإبعادِ.
فما أجملَ بجنابكَ قدَّ هذه الرِّقابِ، لنَحْسِمَ الحاسدَ بحسام حسده العاري عن القراب.
والانقلابِ، لتتابُع المَبرَّات المُبراتِ، وعَلّ عُقارِ المَرَح من يَد المسَّراتِ المُسرّاتِ.
والأحسنُ بكَ احتساءُ قَهوةِ الوَفاءِ، لنصولَ في صهوةِ المواصلةِ والصَفاءِ.
وندرسُ بفوارس المسرةِ نفوسَ الحاسدينَ، ونقلع بإصبُّع المعاهدةِ عيون المعاندينَ.
ضوّعَ اللهُ المحافلَ بعَرْفُ عرفهِ الصَّفيِّ، ورضّع جُمانَ الجلالةِ بتاج مجدِ جدهِ اليُوسفيّ.
وأسبلَ ملابس إحسانهِ السَّحابيِّ، وأجزلَ نفيس اَمتنانهِ الحَبْيِّ الأبي.
بعدَ استعراض سانح مُهمَّاتهِ، والتماس ما يتجدَّدُ من إباناتِ لُباناتهِ. والسَّلام.
قال الراوي: فلمّا وقفَ على البواترِ التي مَقاها، والجواهر التي استخرجَ نُقَبَها واَنتقَاها، خرجَ حاجب الحاجبِ إليه، وأثنَى لدى ناظرِ الناظر عليهِ، وقالَ لَهُ: إنها الوافيةُ المبانِي، كافيةٌ عن استماع المثاني، بيدَ أنَّا لا نستحسنُ الإسهابَ، فاختصر الخطابَ، فقالَ لهُ: ألق مِنْ بينِ كلِّ سطرينِ سطراً، وأسطُرْ ما تخلَّفَ من المكاتبةِ مرّةً أخرى، تَجِدْهَا جسيمةَ الجلَلِ، مُنَزَّهة عن مجاورةِ خَلَلِ الخَلَلِ، فولجَ بها إلى وَحَاهُ، وشرحَ بحَضرته ما إليهِ أوحاهُ، فاستحسنَهُ واستراهُ، ولو باعَ دُرَّها بدُرَرهِ لاشتراه، وقال: إنَّها لعديمةُ النظير، ناظر بما يُغنى عن نَضَارةِ النضيرِ، غيرَ أنَّ إسهابهَا بَعْدُ لائحٌ، وسحابَها في سماءِ الإطالةِ سائحُ، فقالَ لهُ: ضَع مِنْ بينِ كلِّ أربعةٍ سطرينِ، وقَدْ حَصَلَ الغرضُ كلمحةِ العين، ثَم عليكم بها منافثةً، وإنْ شئتُم اختصرتُها مرّةً ثالثةً، قال: فحضرَ السفيرُ لديهِ، ثمَّ عاد مسرعاً إليه وقالَ لَه: إِنَّ الملكَ قد شاءَ، واَستجودَ الإنشاءَ، فقال لهُ: ذَرْ مِنْ بينِ كلِّ خمسة ثلاثاً، واجعلْ الراحةَ بيننا أثلاثاً، فظهر بعد الوقوفِ على مذهبها، والعكوفِ على رُقومُ مذْهبها، قائداً بغلةً رضيّةً، وبدلةً قاضيةً مشفوعةً بحُلَّةٍ عبقَريةٍ، وبَدْرَةٍ مصريّة، فرفعَ الحُلَّةَ إليهِ والذهبَ إليَّ، فشكرتُ على ما جادَ بِثَجَّاجهِ عليّ، وجعلتُ أعجبُ من فضلهِ النفيع، وأفكرُ في مطمئنِّ الإقامةِ والرفيع، إلى أن خرجْنَا متجملين بحُلّتِهِ، متحملين سحائبَ خُلّتهِ، رافلينَ بدَنادنِ مَّنتِه، قافلينَ بقلائص نعمتهِ.
المقامةُ الثامنةَ عشرةَ الدّجليّة
حدّثَ القاسمُ بنُ جريالِ، قالَ: رحلتُ في سفرةٍ من الأسفارِ، حالَ مجاورةِ الجِفارِ، بخليلٍ طاهرِ الحيزوم، صابرٍ على مصابرةِ الحزوم، واكفِ الصوابِ، عاكف على منَاسكُ الآدابِ، لا يعيبُ بَدَنَ مداناتهِ حُماقٌ، ولا يشينُ قمرَ مقاناتهِ محاق: الطويل: