يتقلّبونَ، وأنا إلى ربّنا لمنقلبونَ، ثم ألقيتُهُ فصاحَ، وسبَّ نفسهُ والفِصاحَ فغشيني يم رحمته، وأدركَنيُ مدركة مضر مرحمته، فاحتملتُهُ احتمال الأجواد، وأعدتُهُ إلى مكان النجادِ، فأنشدَ بعدَ ما صبَّ صيِّبَ صًبْرهِ صبّاً، وضممتُ إلى فِتْرِ رأفتي بُصماً وَرتْبا: الطويل:
تجملْ رعاكَ اللهُ لا تُظهرِ العَتبا ... ولا تُسكنِ الأحزانَ منْ صَدْرِكَ القَلْبا
ولا تلبس الأوجالَ إنْ لاحَ مكْسَبٌ ... فتُمسِي وقد أهْدَتْ إلى قلبِكَ القُلبا
فأفٍّ لليثٍ لا يعفِّر أنفَهُ ... بعِثْيَره حِرصاً إذا ساور السِربَا
وتُفٍّ لَه إنْ ضاقَ ذَرعاً وخِيْسهُ ... خَلِيٌّ من الأشلا إذا شاهدَ السَّربا
وليس بعار أنْ يبيتَ وجوعُهُ ... يضِبُّ وفيضُ الرزقِ قد يشبع الضبا
فما عزَّ من أمسى من الذّلِّ كاسياً ... ولا سادَ ذو ضَنٍّ على المالِ إذ ضبَّا
قال: فسِرت تحته سير الجليدِ، إلى تربةِ خالدِ بنِ الوليدِ، وقلتُ لهُ: أقسِمُ بمسخِّرِ الرِّيْح، وجابرِ القَلْبِ القريح، لَئِنْ لَمْ تجتوِ هذهِ الإحساءَ، لا صحبتُكَ أو يصحبَ صخرُ الخنساءَ، ويعتري النِقْرسُ النساءَ، ثم إنّي رقدتُ رِقدةَ الأجير، واضطجعَ لإدبارِ جيوش الهَجيرِ، فاستيقظتُ وقد ولَّتْ قنابل الوقودِ، فألفيتُهُ قد أرقَلَ إرقالَ القرودِ، فبتُّ وأنا منَ الكُرَبِ صادٍ، مِنَ الوجلِ على مِرْصاد، كأننَّي صريعُ فِرصادٍ، لا أنطقُ بحاءٍ وميمٍ وصادٍ.
المقامةُ الثالثةُ والثلاثونَ الواسطيَّةُ
حكَى القاسمُ بنُ جريالٍ، قالَ: اتَّخذْتُ مدَّةً مِنَ الدهر الأدهم، والعصر المحلولكِ الأسحم، بالحبشةِ داراً، وقد قدَّني الملوانِ إِذعاراً، لا يرتضيها الضِّبعانُ غاراً، والثعْلُبانُ أَنَفَةً وعاراً، فحينَ كرِهْتُ مُعاقرةَ عروشها، ونَدِمْتُ على معاشرةِ أحبوشِها، اعروريتُ سنامَ العَيْسجورِ، وفَريْتُ إهابَ البحر المسْجورِ، ولم أزل أخِد بأقدام الفِرارِ، إلى مواطن القرارِ، وأجدُ مَعْ مكابرةِ البِكار، حرّ حَزِّ مرارةِ الإفتكار، إلى أنْ سَرَطَني سراطُ واسط، وأنا ما بينَ قابضٍ منَ القلقِ وباسط
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute