فحينَ قَضبَ جريرَ جرَّتهِ، ونَضَبَ ماءُ مَسيلِ حرَّتهِ، وأَلجم أسَد وعظهِ القَضْقاض، وألجمَ سَدا فضلهِ الفَضْفَاض، وقدَّ قميصَ يُوسُف عِظتهِ وقَصّ، وسدّ ما انسجمَ من سَحَ سحابهِ وفصَّ، قالَ: أًلهمكُم اللهُ الصبرَ الجميلَ، وأتبعَ في دَعَ سَيْلِ مصابكم الحًميلِ، وجعلَ هذا الرُّزء فِسْكِل أتراحِكم والهموم، وآخِرَ ذَمّة أحزانِكم والهموم. ونفَحكُم بأَجْرٍ تضيقُ بهِ متونُ العَراءَ، ويَصْغُرُ في جَنبه كبَرُ هذا العزاءَ، بطولهِ السابغ الذُّيولِ، ودَوح إحسانهِ المنَّزهِ عَنِ الذّبولِ، قال الراوي: فلمّا غَبَطُوا جودَةَ فيضه النجيبِ، وأغبطوا الأنفسَ حَلَّ نظام لآلئ النحيبِ، جَبرُوه عندما خَبرُوهُ، وشبروه بعدما سبروهُ، فكنتُ أولَ مَن حضرَهُ وحيّاهُ، وحل بمحضره حباه وحباهُ، وكنتُ أرجَي حينَ سكرتُ من سلافةِ شموله وشكرْتُ تألقَ ضياءَ شُمولهِ، مَعْ ما أمارسُ مِن مُزاحمةِ العَمِّ، وسَورةِ سُكْر مزاحمة الغَمِّ، حصولَ معرفتهِ، وما الذي حَصَلَ برفع غَوْرِ مِغْرفَتِهِ، لأعرفَ من أي سحاب انسكب سيبُهُ، وفي أيَ شِعْب شَعْبِ انتشرَ شَيبهُ، فم أستطِعْ للجَلبةِ إبصارَهُ فما ثلت بالأثنيةِ أنصارهُ، وأمهلتُه إلى أنْ قرَّ المجلسُ وتَسَعْسعَ، ورقَّ قَرْقَفُ المطاللةِ وتشعشعَ، وتَقَهْقرَ النهارُ ويرَفع وجهَ الغزالةِ البَهارُ، ولم يبقَ معه من الخَلْق، سوى سدس عددِ أحرفِ الحَلْق، فألفيتُهُ النّهْشلَ الشريَّ، والسَّميدعَ السريَّ، ذا الفضل المضري، أبا نصر المصريّ، صاحب البطش الضرّيَ، وعاشقَ الدَرهم الصريَ، فأقبلتْ أمورُ مَوْرَ الخائم، وأتردّدُ تردد الحائم، إلى أنْ سلّمْتُ عليهِ تسليمَ مَن ظفَرَ برجائهِ، وقرن هُوجَ هَجُوم جَذَلهِ برُخائه، وقلتُ لهُ: إلامَ معْ سَعَةِ سأوكَ، وشَرَف شِنْشنَةِ شأوك، وتطاولِ سِنِّكَ، وتضاؤل شَنِّكَ، تُظْمئُ وتعُلُّ، وتَسرِق وتَغُلُّ، وتَنْقُصُ وتَحيس، وتنقضُ وتخيسُ، وتزهدُ في نديك، وتُزعجُ أوابدَ بديِّكَ، وتَروضُ ضُبارماً وعامراً، وتخوضُ عامراً وغامراً، وتَلبِسُ أسماطكَ والأسمالَ، وتستأصِلُ الباكورةَ والأشمال، وتلتقمُ التقام الناهِش، وتتأوّد تأوّدَ النزيفِ الباهش وتجيء بالصُقْرِ والبُقْرِ، وتهزأ بالأسودِ والبَقرِ، فحينَ جُرحَ بحسام سام مَعْتَبتهِ، وعُقِرَ بعُقارِ قارِ مَعْيَبَتِهِ، نظرَ إليَّ نظر الأسدِ الباسلِ، وانهمرَ كالسيلِ الناسل، وزفَر زفرةَ المُعل، ونفثَ نفثةَ الأفعوانِ المُغِل، وقال لي: خَلَني من نِمْنَمَةِ فُصولكَ، وحلِّني بحلْي قَضْبِ فائض فُضُولِكَ، واذهب بداءَ غُلِّكَ واكفني غَلْغلَةَ غَلَلِ غِلّكَ، فلستَ لي بصاحبِ ظريفِِ، ولا باذلِ تالدِ ولا طريفٍ، وحيثُ لا تُعِينُ، ولا تسامح ولا تغِين، فأنتَ أولُ مَنْ مَنَّ ودَّهُ وجَبَّ، وكسرَ ساعدَ مساعدتهِ وخبَّ، فلا خيرَ في مساترتِك، وخساسةِ مُسايرتِكَ، ومعَ لَسْع سِفّ سَفائكَ، وطُولِ طِيَلِ شُقَّةِ شَقائكَ، لو مَنَحتني من تكملةِ إفصاحِكَ سطرينِ، لجعلتُ صِلَة هذهِ الموعظةِ بيننا شطرينِ، فالَ: فكأنه نَدِمَ على كَلامه، فطفق يداوي مواضع كلامهِ، فألقاهما إلي وسكع ونسأ بعيرَ عزمه وشكعَ، وقال لي: إلى كَم بالغرامة أغطِّيك، فتارة آخذ منك وتارةً أعطيكَ ثم إنَهُ جالَ جَولَ المقاطعةِ وحامَ، وأحجمَ عن خيول المخاتلةِ وخامَ فتظنيته أقتنصَ بحبائلِ الحِن، أو احتُنِك بأناملِ جحافلِ الجن.
المقامةُ الخامسةُ والأربعون الفرضيّة
حكَى القاسمُ بنُ جريال، قال: مُنيتُ حِينَ عَرَضَ عارضي، واعترضَ فِي عنَان المعارضةِ مُعارضي، بحُبِّ حِب حَوَى الحمرة والبياض، وملأ قَرِيَّ قُرى مقاطعتهِ والحياض، وكنتُ يومئذٍ ذا نُصرة خارجةٍ وحَسْرَةٍ والجةٍ، وعتبةٍ واهيةٍ، ومَعتَبَةٍ هاويةٍ، أتقلقلُ تقلقُلَ المغلوبِ، وأنشِدُ على هذا الأسلوبِ: الوافر:
نَقِي الخَدِّ ليسَ بهِ اجتماع ... ولا بياض مَجْلسهِ الأنيقِ
يُسَعِّرُ مهجَتي مَرَحاً وسِحْراً ... بحُمرةِ وَجْنةٍ شِبْهِ العَقيق
إذا رمْتُ الوصالَ يقولُ عَجِّلْ ... بقَبْض داخلٍ قَبْلَ الطريقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute