للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن سرى وشرى شرياً لشانئه ... بشدة نشرت شزراً متى شزرا

ومن قرى وفرى فرياً له شرف ... يضوع الأفق نشراً أينما نشرا

ومن جنى وجنى في الحرب مشتهراً ... يطوق البهم بهراً والبها بهرا

ومن أنا وأنا في قربه قرم ... أشاهد الشوق بدراً كلما بدرا

إني غريب وإني مذ خلقت لقى ... أكابد الفقر قسرا كلما قسرا

وصبيتي يومهم بؤس يشتتهم ... يخلف الربع صفراً كلما صفرا

فاطرد خيول الأذى عنهم فما برحت ... تصافح الذل قهراً كلما قهرا

واسمع فأنت الذي ما زال مقتدراً ... يجاوز الحد قدراً كلما قدرا

قال الراوي: فلما سرت بانصبابه، إلى رحيب بابه، دفعتها إلى الحاجب، بعد مراعاة الأدب الواجب، فولج بها إليه، ونثر من جميل جمانها عليه، ثم غاب قاب أكل يعفور، أو قيد حل قيد نفور، ثم بزغ بزوغ الغين بصرتين، من النقرة والعين، فأماط عني الحذر، وألقاهما إلي واعتذر، فرجعت إلى بيته الأعليط، ببطر مطي الطرب والأطيط، فقال لي: أراك تهز عطفيك، أملأت الجزازة كفيك، قلت له: إي ومن سهل لك الوعور، وفتح لأدابك الأعين العور، ثم ألقيت إليه الصرتين، فقال: أي ما تحب من تين فقلت له: كليهما وتمراً لأجمع من جدة جدواك ثلجاً وجمراً، فنفحني بهما وابتسم، وأعرض عن عرضهما واحتشم، ثم إني نهضت إلى سوقها، بأكارع المسرة وسوقها، لأخمد من قرم القرم الهياج، وأحسم من دم داء المجاعة ما هاج، فعدت وقد بلقع أرجل الدار، وكتب هذين على جانب الجدار: الكامل:

النصل يصدأ إن أقام بكنه ... حيناً وينبو في اليلامق رشقه

وكذلك أنت فلا تلازم منزلا ... إن ضاق غربك فالإقامة شرقه

قال: فما لذ لي بعده الركون، ولا احلولى بعد تسياره السكون، فجعلت تخد بي الأمون، لأكنف من كنت له أمون.

[المقامة الحادية عشرة الرسعنية]

أخبر القاسم بن جريال قال: أناخ بالشام برهة من الأعوام، جمالات جدب بشرت أديم الجمام، ونشرت سرابيل السغب، على طرف الثمام، وأجزلت وساوس الإعدام، وأهزلت بها معالم الأعلام، حتى بلغت القلوب الحناجر، وشام الملأ على الجيف الخناجر، وظعن خضل النضارة، وفر، وعدن نبع تبع الضراعة وقر، فلما احلولكت حنادس الجلاء، واغدودنت غلائل الغلاء، واستدت المسالك وادلهمت، واشتدت الحال وهمت، وانتابت الغير وأهمت، وأذابت النقم قمم المقدرة فانهمت، انسللت من القراب، ومللت حلاوة الاقتراب، فبينا أنا أنسرب بالفلوات وأنتحب نحيب المقلاة، ألفيت شيخة كالسعلاة، تلو خود كالكهاة، وعزة كالمهاة، وأمامهما شيخ كالعرجون، يجر أردية الشجون، ويسرح بجلابيب حظه الجون، بين منى منى قلبه والحجون، فحين لحظت جودة احتمالهم، واكتحلت بخساسة أسما لهم، نحوتهم بجفن التجمل المشتور، لا رفع غطاء سرهم المستور، فألفيته المصري رب الفنون، الجامع بين الضب والنون، فاتصلت به اتصال القلم بالنون والحنك بالعثنون، ثم إني عدلت عن عثوائه، وسألته عن تعاظل وعثائه، فأطلعني على محاسمه حائه وانتحائه، ومصارمة صلحائه مع برحائه، فانثنيت محقوقف السواء، وألقيت إليه يقود القرواء وقلت له: دونك امتطاء ذروتها، واجتلاء جربتها، فأحلهما قراها، واختلى لها خلة النصب وقراها، ثم أخذت أحدثه بما أعاني من الخطوب، وتعذر المخطوب، ومغالبة اللغوب، ومسامرة السغوب فأرهف قواضبه الصقال، واستفتح المقال، وقال: الكامل:

تباً لدنيانا المليمة إنها ... سجن الرفيع وجنة للساقط

داراً تزخرف للئيم وتنزوي ... عن ذي الفصاحة والكريم الفارط

كم قد تعم بقسطها من مقسط ... مر الزمان وقسطها من قاسط

ولكم تخص بحلوها من قابض ... نكس يشح ومرها من باسط

ما نال منها الفذ إلا مثلما ... نال الهزيم بجنح ليل خابط

ما تطبيه لنغبة من سحها ... إلا وتنفحه بقلب القانط

فالبؤس فيها والنعيم كلاهما ... عند اللبيب كقاب ظل الحائط

<<  <   >  >>