قال: قلما همدا في نزاعهما، وغمدا صوارم مصاعهما، نظر الأمير إلى الشيخ وقال له: وأيم الله إنما عجوزك لتعجز من تجاور إذ تحاور وتخرس لها تماضر يوم تناظر، وتفضح لدى الأعيان، قس البيان، وتترك رب اللسان، مسلول اللسان، فعد عن كفاحها، واتق حرارة اتقاحها ولا تطع في جدالها، واقطع جيد جيد ارتجالها، فلست من رجالها، ولا خيول مجالها واعلم أن حلاوة الليم، تمحو مرارة السخط الأليم، فما على من خبث لأهله صيير، ولا بفم رأى من جنح لسلمه بخير، وإن يصالحا بينهما صلحاً فالصلح خير، فقال الشيخ: أيها الأمير ما كان من التصابي فات، والذي كان يصلح بيننا مات، ثم أشار بيده إلى قمده، فقهقه الأمير حتى بدا ناجذاه، واهتدى لجد جديل الغرض الذي تجابذاه، وقال له: أنا أجدد الزاد، ومن أنعم وزاد، مشفوعاً بشملة شامت الاشتداد، ومن رفع السبع الشداد، إثم أوحى إلى وكيله بتكميله، وإلى جيله بتعجيله، بعد أن حصل لهما من جلسائه، واتصل بهما من زخرف رؤوسائه، تلو ذلك الاجتداء، جذر خمسة أمثال أحرف النداء وحين جد جمل مجازاته، واستد باب بلك مجازاته ضبع بأم الضباع بالضباع، شاكر الطباع بالاضطباع قال القاسم بن جريال، وكنت علمت حين هجم بعجوزه، وتقدم بكوزه وأبوزه، وانسلت الفرق من معانها وانسابت الضبع بضبعانها أنه المصري صاحب دبور الدبر والقبول، والضارب ببوق نفير نفاره والطبول، فجعلت أعجب لذلك البيوت وألعن تحيل الحية والحيوت، وقلت: لا تركنه يجول، لأنظر ما إليه حاله يؤول، ثم أعرف الأمير نكره وشذاه، ونكره وأذاه، ليمسح عقار قرى قفاه، بقصب نعاله أينما قفاه، فحين أورد من الضرب ما لا يضاهى، وسرد من النخب ما ببعضه يباهى، كففت عن كسف شمس سره، وخسف بدر در دره، ثم إني تبعته لأجدد تقبيل يمينه، وأعقد عليه عقود يمينه، لئلا يخادع بعدها أميراً، ولو كان له بليل ليلى السمر سميراً، فألتفت بعد نيل صرره، فتظنى أنني محث لضم ظرر ضرره، فانخرط في الحشاء بين الأحشاء، بالداهية الحرشاء، المجدورة الرقشاء، فخلت أنه امتطى أثباج الهواء لحفظ ذلك الرماء، أو ابتغى نفقاً في الأرض، أو سلماً في السماء.
[المقامة السابعة السنجارية]
أخبر القاسم بن جريال: قال: اعتن لي في غرارة شبابي، وغزارة شبابي، إلى مدينة سنجار، طريق سئمت فيه الانسجار، مع جماعة كالسيوف البوارق، بيض المفارق، وأنا يومئذ قوي الجد، نقي الخد، ذو بياض في الجدود، واجتماع في الوجود، وحمرة في الوجنتين، وقبض داخل في اليدين، فولجتها في أخضل ربان وأفضل إبان، فلما هديت بها واهتديت، وشريت بسوقها وشريت، وأترعت أوعية العسجد وأشريت، ألفيت أبا نصر المصري يفتن بين أفنان الافتنان، ويقتن بقنان قنان الاتقان، فحين وقع نظره علي، وطلع بدر ابتداره لدي، قال لي: هل لك في أن نجول بأرجائها، ونستوكف غمائم روائها، لنلتمس فصالة فضلائها، ونقتبس علالة علمائها، فأجبت وليمة سؤاله، وطبت نفسا بحلاوة مقاله، ثم أخذنا نتصفح صفحات الأناسى، ونترشح لما يزيل نزيل صارم المصارمة والقسى، إلى أن شاقنا شائق الصلاح، وساقنا سائق الفلاح، إلى ناد ضاف على الوفود، صاف على كثرة الورود، وبه فئة يعاف عندهم عنترة عشير المبارات، وتداف لديهم عنبرة عبير العبارات، فملت إليهم ميل المغالي، وأملت شراء ذيالك الغالي وقلت بلسان التنوع المتعالي: الخفيف:
حدّقت نحوهم عيون المعالي ... وارعوت منهم عون العوالي
وسمت فيهم رؤوس رؤوسٍ ... طالما قيّدوا كفوف النّكال
فحين عرفنا فيض فيضهم الأريض، وسفنا إناب نثرهم والقريض، قلت له: أتحب بأن نمتار من طيب هذه الغراوة، المبرأة، عن الغل والغباوة لنشكر هذا الانجذاب، ونسبر ما جمد من نضار مناظرتهم وذاب، فقال لي: قد ملكتك زمام هذه المبادرة، والخبب إلى خبوب هذه النادرة، فانخرطنا في ذلك النصاح، أرباً في ذلك الافصاح، وولجنا لخرف ثمر ذاك الخريف، شعفاً بفائض لفظهم الوريف، ثم لم نزل نتنازع حميا المفاخرات، ونتسارع لاقتناص الفرص الزاخرات، إلى أن اتصل بالبراعة الشرية، والعبارة