قال الراوي: فلما ارتاح الأمير، وفاح من روض ألفاظه العبير، وقرع لعظم بثه الناب وفار من فار إفصاحه الإناب وقال لها: إيهاً عجوز، إن صدر منك بعد اليوم ما لا يجوز، أذيقك السياط، وأسمع الثقلين منك بعد العياط، فمثله يحرم ملاله، ولا يجزم وصاله، ويغتنم حياله ولا تصرم حباله، فقالت: أسبل الله سناء سيادة الأمير، وكحل عين معدلته بميل صحة التدبير، ونزه أذن إنصافه الخطير، أن تنبو عن سماع حديثي الوارف التكدير، فقال لها: إن كان لك مقال فصرحيه وإن كان يشوبه صخب نصب فسرحيه، قال: فتمايحت بعد كشف الوجاح، وإلقاء الوشاح، تمايح الممراح، بالوجه الوقاح وقالت: تالله لقد صدق فيما رواه، ونطق حقاً بما استخرج من زندة زبده وأوراه، فسبب سبب نشوزي عليه، وجلب لجب مخالفتي إليه، إنه سافر عني سفرة مديدة الشقة، شديدة المشقة، حتى ظننت به أنواع الظنون، وقلت: قد اقتنص بمخالب المنون، وعندما عفت عرى إسباله وهوت ذرى أشباله، وأدبر إقبال وجوده، وأقبل إدبار موجوده، وتبرقعت عوارف حيلته، وتبلقعت حظائر حيلته، ولم يبق عليه سوى ابيضاض رثمه، وانعقاد رتمه، قدم من سفرته بانثلام رياس سعده وشفرته، وقد استولد أمة سوداء، تستولد بجسد ضجيعها الداء، تكلفه فوق وسعه، وتشنفه بشنوف شسعه ولم تزل بعدما اسود وأساد، وساود سواد عراره فساد، تطرق بالبنات، وتعامله معاملة العناة، وأطرق له بالبنين، وأكرمه على ممر السنين، فحين اعتاض عني، من تعنفه وتعني، قلبت له مجني، وسكبت لوصله كأس التجني، ولما دارت على ذلك السنون، وشاهد سوء سفهه المسنون، وعشت بمراح مرحهما والأعطان يد حيل حبائل الشيطان، وثار بينهما الضباب، وطار حلو محافظتهما والحباب وغار ضحضاح حبهما والحباب، وعار بين مصاحبتهما الحباب والأحباب، عطف إلي، وتعطف لانعطافه علي، وحين ضمنا الفراش، ونشأ إلى فراشه الفراش نسي ذلك الاجتثاث، وطالبني بما تطالب الذكور الإناث، فقلت له: إن جللتك بدثاري، أو مكنتك من استدثاري، قبل مطالبتك بثأري، مع عدم دثاري المنوط بالنقاط نثاري فعلى امتطاء الساحج، إلى بيت الله المعظم المعارج، فانتهرني وقهرني، وأجبرني وجبرني، فحينثت في يميني، وأصماني الندم الذي ما زال يصميني، ولم يغادر الدهر لنا سوى بازل، نقضي عليه حق كل نازل، فرحلنا فرحين بهجر المقام، مرحين بلقاء حجر المقام فأرملنا من القوت، وتنبل البعير لحالك حظنا الممقوت، فأتحفني بهذا الوصب والشقاء، وأنحفني بعرق قربة قهره والسقاء، وها أنا قد ألفيت أليتي ضيفن ضيف قضيتي، وابتداء اليمين في المشتاة، عند انقطاع حلب الشاة، وقد استمر الضيفن مع الضيف للصيف، فأدرأ فادح جزع الجزع والخيف بالخيف، ثم إنها جادت بدمعها المسكوب وأجادت بسحها المستحسن الأسكوب، وقالت: المتقارب.
خطوب الدهور كذا تمتحن ... كرام الأصول بهذي المحن
فعرفي يضوع على سحقها ... وعرفي جميل وعرفي حسن
فهذا القليل بذاك الجزيل ... وهذا الهزال بذاك السمن
وهذا الكهام بذاك الحسام ... وهذا القنوت بذاك العلن