للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخبر القاسمُ بن جريال، قالَ: جَنَحْتُ حينَ جُنوح النَّوائب، وسُحوح أَنُوح الركائبِ، ونُكوص شُصُوص المَصائبِ، وخُصُوص خلوصَ الرَّغائب، إلى مُحادثةِ الحبائبِ، ومُناوحةِ هذي السَّحائبِ، فألقيتُ مِنْسَأَةَ الارتحالاتِ، واتَّقيتُ أراقمَ الانتقالاتِ، وأقبلتُ أروضَ الذِّعبليّاتِ، وأتوسَّدُ الحشيّاتِ بالعَشيّاتِ، وأهزُّ أغصانَ المُصاهرةِ، وأبُزُّ لها أثوابَ المُثابرةِ، وأَمْرَحُ بحُلَلِ الأرْيحيَّةِ، بين حدائقِ الصالحيّةِ، يُساعدني مُساهرةُ القمرين، ومحاضرةُ الأحمرين، ومسامرةُ الأسمرين، فبينما أنا قافلٌ من مَغَارةِ الدَّم، رافلٌ بالخَدْين المُخدَّم، أترنَّحُ ترنُّحَ المِزْهَري، بالرِّيح العنبريِّ، على شاطئ السَّريِّ، بالطِّرْفِ العَبْهرى، إذْ لحظتُ بالطَّرفِ البَريِّ، فُرَيْخَ أبي نصرٍ المِصريَ، وهو يلتوي لغَيْثِ غَرَثِهِ، ويَرْعَوي لِعَيْث شعَثهِ، ويَنْضَوي لفَيْض قَضَفهِ، وينطوي لنَشْرِ شَظَفه، فاَلتفتَ إليَّ اَلتفاتَ العاتب، ورمقَني بحُسْن لَحْظهِ المُعاتبِ، وقال لي: شغلكَ عنِّي ببابِ البريد، طُلاوةُ دَثركَ الرَّبيد، وألهاك كثرةُ الثريد، عَنْ حفْظ ودنا الرَّثيد، وحجبَكَ عَدَمُ عَقْلك الرِشيدِ، عن إسعافِ الشَّادنِ الشَّريدِ، وأعجبكَ مكاثرةُ العَبيدِ، إنَّكَ لفي تِيه تيهِكَ البعيدِ، فقلتُ له: معاذَ اللهِ أنْ أَكفَّ وَكْفَ هذهِ الدِّيمةِ، أو أتناسىَ سَحَّ عهدِ العهودِ القديمةِ، ثمَّ إنِّي أحللتُهُ قَريعة قراري، وأجللتُهُ بتجديدِ وَكيرةِ داري، ونفحتُهُ بجبّةٍ وحظيّةٍ وعمامةٍ قاضويّةٍ، وأمرْتُ بإحضارِ الأَطعماتِ، والجِفانِ المُطعِمَاتٍ، وبقيتُ مدّةَ مُقامهِ لا أسألهُ عن نوازل الزمن واَنتقامه، إلى أن ذكر لي أن سببَ كسرِ ساعدهِ، اَنزعاجٌ حصلَ بينَهُ ووالدهِ، فقلتُ له: إنِّي لأرى المبادرةَ إلى الاصطلاح، عَيْنَ الصَّلاح، والمسابقةَ إلى سبيل هذا الفلاح، أولى من تقبيل فَم قُبح هذا القُلاح فالصوابُ أنْ تَنْصَبَّ إلى منْ يكْثِرُ خُبوُب خوابيْكَ، ويملأ جيوبَ جَوابيكَ وتَخْلَعَ شِعارَ تَغابيكَ، وَتخْفِضَ جَناحَ المذلَّةِ لأبيك ومتى خالفتَهُ وعصيت، وأسرَرْتَ عقوقَهُ وتعاصيتَ، قلَّ نيلُكَ، وكثُرَ مَيْلُكَ، وطالَ ويلك، وقصر ذيلك، فمِثلك منْ أكرمَ والدَه وبر، وأبحرَ إلى حِواءَ إحسانِه وأبر، قالَ: فجعلَ قُبَلَ عَروس وَصيَّتي قَبولاً، وفتحَ لَهُ مِنْ رِيْح حُسْن قَبولهِ صبَاً وقبولاً، قال القاسمُ بن جريالِ: وكنتُ أنشأتُ مدّةَ مَدِّ الطّوائلِ، وإدبارِ أَدبار الغَوائلِ، داراً دارتْ في فَلكِ الفِخارِ، وأدارتْ دِرَر تَسْنيم نَسيمها الزخَّار، وحَسَدَ فِردوسُها سَنَا سَعَدِها المكينِ، وسَجَدَ لآدم دُمَى أركانها ملائكةُ التمكين، بينما نحنُ ذات يوم نتتبَّع بدائعَ المُداعباتِ، ونتوقعُ ذخائرَ المخاطباتِ، إذْ دخلَ عليَّ وصيف، بكتابٍ ما رُفعَ لَهُ نَصيفٌ فكسرْتُ صِمامَهُ، وشكرتُ اهتمامَهُ، فإذا هو مِنْ أبيهِ، ذي الفَضْلِ النبيهِ تتضمَّن دُرَرَ ألفاظهِ المُجيدةٍ، تهنيئةً بنزولِ الدارِ الجديدةِ، لا يُعيبُ ذوائبَ عروسِها قَطَطٌ، ولا يَشُوبُ شمولَ شُمولِ إنشائها نُقَ، وهي: أطالَ اللهُ طِوالَ الطَّوْدِ الأَطولِ، والمالكِ الأكملِ، وأدام دُولَ آدهِ ووطَّدَهَا، وعدَّلَ دعامَ عُلوها وأسعدَها، وحرسَ سوامَ سُموِّها وسرمدهَا، وحسمَ حسودَ حولِها وأكدها، وألهمَ كحْلَ حِكمهِ كحْلَ سوداء، سِرِّهَا ومِرْوَدَها، وأمرَ عَددَها وعُددَها وأمرَّ كأسَ أعداءَ عَمْرِها وأوعدَهَا، وسدَّدَ أراء سَعْدِها ومَعْدَدِها، المملوكُ أصدَره حاملَ دُرِّ مِدَح لا ساحلَ لمدَدِ مَدِّهَا، ولا حاسمَ لحللِ حَدِّ حَمْدِها، ولا صارمَ لعرمرِم عِهادِ عهدِها، ولا طاسم لحَدَ دُورِ درورِ وُدِّها، ولا هادمَ لأسس سُؤْددٍ سَرْدِها، ومادحَ حِوَاءَ حُرِّرَ للعطاء والكَرَمِ، وأهِّلَ لصُعُود صعودِ السماحِ والهِمم، أمدَّهُ اللهُ مَدَد الدُّهورِ والأَعوام، وأحلَّه مَحَلَّ الصارِم الصَّمصام، لا الطّالحَ الكَهام: الكاملَ:

دارٍ سمَا سَعْدَ السُّعودِ سماؤها ... وسُموُّها وسَلا اللَّعا حُسَّادُها

دامَ السرورُ مَعَ السعودِ وحَلِّها ... وأسالَ سَحَّ سَدادِها إسعادُها

<<  <   >  >>