للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلم أزلْ منذُ أحسن وَربي، وخوَّلني رُخالاً ورُبِّي أشكرُ شَيْمَ تلك الخلالِ، وأسكنُ في وَسيم ذاكَ الحِلالِ، وألتحِفُ بشف تِيْكَ الشِّمالِ، وأتصف بسَف سَفوفِ نَسيم الشمالِ، إلى أنْ مجَّنا فَمُّ قَزوينَ بعدَ طُولِ النَّقلِ، واَحتمالِ الصَّارم الثقيلِ، فولجتُها بقَلْبٍ قلّبَ ما نَضبَ وَدرَّ، وقلّبٍ جرَّبَ ما غَرَبَ وذَرَّ، لنكتَسِبَ ضَرَبَ زُبدِها، ونَخْتَبرَ شَرَفَ رُبَدِها، فحين طافتْ علينا طوائفُ إبداعِهم، واَصطافَتْ أسماعُنا في طرائف إيداعهم، ألفيتُهم سِّن يفضِّلونَ أصواتَ الجُدَاةِ، على طِيبِ نَغَماتِ الحُداةِ، لا تَنسى بمناسمةِ وسنانِها، مصادمةَ عاملِ الغيِرَ وسِنانِها، ولا تَسْتُرُ مَرأى عيانِها، مخافةَ انتجاع عَنانها: الكامل:

فَهُمُ السحائبُ إنْ تعذَّرَ هاطل ... يوماً وأقلعَتِ السماءُ وشحَّتِ

ومَتى ترنَّقَتِ المواردُ أو خَلتْ ... جادتِ بثجَّاج النَّوالِ وسحَّتِ

وإذا تزاحمتِ الحروبُ وحَمْلَقَت ... قامَتْ على قمَم القُبول وشَجّتِ

وإذا تهتكتِ السُّتورُ ومُزِّقَتْ ... سدَّتْ كُوى بِدَع الهَناتِ وسَجَّتِ

قال القاسمُ بن جريالِ: ثم لم نزلْ نرتعُ في حِمَى حِوارهِم، ونَرْبعُ حَجرَ حِجْرِ جودةِ جوارِهم، ونَشْتارُ مِنْ شهْدَةِ نشاطهم، ونَمتارُ من زُبْدَةِ سَعَةِ بساطهم، حتَّى بُهتنا بَهتونِ هباتهم، وشُدِهْنا بشيْم شآبيبِ هيئاتِهم، ولمَّا حانَ حِيْنُ الارتحالِ وطابتْ بوصفهِم جلائلُ الارتجالِ، عَرَضَ لَهُ دِقٌّ اندقَّتْ فيهِ صِعادُ صَبره وبارتْ، وهاجَتْ بهِ هُوجُ ريْح تَباريحهِ وثَارَتْ، واَنجزلَتْ حِبالُ حِدَّتهِ وحارَتْ، وانخزَلَتْ جِبالُ جدَّتهِ وخَارتْ، فلمَّا عالَ عَناؤهُ، واستطالَ عياؤهُ، وتغيَّرت سحناؤهُ، وكرَّتْ من كَمينِ الكُرَبِ شحناؤهُ، واَنشقَّ مِنْ مشقَّةِ المَرَض شقَّاهُ، وسَقاهُ كأسُ السَّقَم ما سقاهُ، وعَزاهُ إلى الرِّمَم ما عَزَاهُ، وغَزاهُ مِنْ غُزاةِ الرَّزايا ما غَزاهُ، طاحتْ عليهِ رَحاَ الحِمام، وناحَتْ على آدابهِ وُرْقُ الحَمام، فبادرتُ إلى إحضارِ، حنوطهِ وغِسْلهِ وتنظيفِ رداءَ دَفْنهِ وغسْلهِ، ولمّا ضمَّهُ بُهرة لَحَدِهِ والحوافي، وأنبتَ الأسف عُوجَ قوادم الجَزَع والخوَافي، حَضرَ واعظٌ قَدْ لوَّحَتْ حَرورُ الهَرَم وجوهَ قطَنهِ، وصوَّحتْ رياحُ الحِكَم حدائقَ فِطَنهِ، فقعدَ من حيثُ نرقُبُه ونرَاهُ، وقد تَبعَ قَرَنَ المقاربةِ وتَراهُ، فلمّا قطعَ القارئُ ألحانَهُ وقُرانَهُ، وحسَمَ وضَين تَرجيعهِ وقرانه، حمِدَ اللهَ تعالى وشكرَ، بعدَ أنْ جَدَّ سُيولَ انسجامهِ وسكر، ثم قالَ: صدقَ اللهُ العظيمُ.

<<  <   >  >>