قالَ: وحينَ حَمِدْنَا محاسنَ الظّفَرِ، وكَسرْنا مِنساةَ سَموم السَّفرِ، جعلنا نجولُ لضَربِ ضروبِها، ونحومُ بمسلولِ الفصاحةِ ومقروبِها، إلى أنْ انتهى بنا آخرُ النّقَل، وقطعُ السُّهولةِ والنَقَلِ، إلى مدرسةٍ متدَفِّقة البَهاءِ، مُفْهَقةٍ بمقاولِ الفقهاءِ، قد اَرتفعَ نقْعُ مباحثتِهم، وطلعَ نفعُ طلْع مطارحتِهم، تُجاه مدرِّس مطلّس، ظاهرِ المناظرةِ، قملس، تسجدُ دروسُ الدرايةِ لدروسهِ، وتغربُ شُموسُ البلاغةِ لشَّموس شُموسهِ، فتأملْتُهُ بالنظرِ الصّفيِّ، تأملَ الصَّيرفيِّ، فإذا هو الدِّهانُ المتلوِّنُ، والسرحانُ المتفنِّن، والفَذ القيصريُّ، أبو نصرٍ المِصْريُّ، فأحجمتُ إلى أنْ شام سيوفَ درسهِ، وسردَ ما سدّدَ من ثمارِ جَرْسِهِ، ثم سلّمَتُ عليهِ، وجثَمْتُ بين يديهِ، وقلتُ لَهُ: جلَ مَنْ جَلَّلَكَ بجليلِ التّدريس، وخلّصُكَ من دراسةِ التدليس، وخصَّكَ بربْع البَراعةِ والمربَع، اختصاص الأترجِّ بالطبائع الأربع، ثم إنّهُ اَنطلقَ بي إلى طِرافهِ، مترنِّحاً بملاحةِ أطرافه، فبسطَ ساعِدَهْ وحَسّرَ، وأحضرَ ما كانَ عندَه تيسَّرَ، ولّما سكنَ مَوْرهُ، وظعنَ زَورهُ، ألبسني جُبّةَ أجادَها كفُّ إسكافِها، وكثرُ جوَابُ سؤالِ ميمِها وكافها، ثُمّ قال لي: يا بنَ جِريالٍ ما الذي سلكَكَ في سلوك المفاليسِ، وأدخلَكَ في خَللِ غَليس هذا التغليس، وقتلكَ بثقلِ هذهِ المِرْداةِ، ونقلك إلى مجالس الساداتِ، فقْفِنِي على خبر ابتداءِ ارتحالكَ، وخَفْضِ نَصبِ تَمييزِ حُسْن حالِكَ، قال: فأخبرتُهُ بما تمَّ، وما سفك من دَم الثروةِ ثَمَ، وعرّفتُهُ صورةَ النّزالِ، في وقيعةِ ذيّاكَ الغَزالِ، فجبذني متظارفاً، ونبذَني متلاطفاً، وقالَ لي: أراكَ هَويت الهُوِيَّ بعدَ الهَوِيِّ، وهوَيْتَ إلى الواوِ الساكنةِ قبلَ حرفِ التّرويِّ، وجررْتَ في المَخازي المُروطَ، وأولجْتَ في الدائرةِ المخروطَ، فأطعَم الله رهطَ لوط البلّوطَ وسقاهم من نهرِ قَلّوطَ، ثم قالَ لي: غِبَّ نَثْلِ جَعْبَتهِ، وطيب ظلِّ أثْلِ مداعبتِه، تالله لقد بِت أسعدَ أولادِ سام وسامٍ، وأطهرَ أولادِ حَام وَحام، فَوَمَنْ شرّف بكّةَ، وأخرسَ اللُسُنَ لكَ وبَكَّتَ، لقد حللْتَ بكِناسكَ، ونزلْت بمَنْ لم يُناسِكَ، ونزعتَ سرابيلَ باسِكَ، وخلعْتَ جلابيبَ التباسِكَ، فقلت لَهُ: الحمدُ للهِ الذي سلَّمني من المَدانس، وخلّصني من حِبالةِ المناحس، وقَلَسَ عَنِّي ثيابَ الثُّبورِ، وقمسَ قلبي في بحورِ الحُبورِ، ثم إنِّي أقمتُ في قَرائع دَارهِ، سابحاً في سحائبِ إدرارهِ، يُتحِفُني بالهدايا، ويزورني بالعَشايا والغَدايا، ويمنحُني السِمانَ والدِّقاقَ، ويشاركُني مشاركتَها في مصدرِ الفَعْلِ الرِقاقَ، حتى حُسِدْتُ لكثرةِ سوادي، واتّحادِ وسادهِ ووسادِي، وعُدْتُ بعدَ طولِ مصاحبتهِ، وتطاولِ مناوحتهِ، سنانَ غِرارهِ، وصِوانَ أسرارهِ، ونبالَ سَطوتهِ، وبِلالِ دَعوتهِ، وحَسّانَ ثنائه، وسلماَنَ فنائه، فبينما نحن ذاتَ يوم نخترفُ ثمُرَ المثابرة، ونحترفُ بأسواق تِجّارِ المجاورةِ، ونختلفَ إلى معاهدِ المنادلةِ، ونَجْتَلف وجوهَ جذالةِ المجادلة، إذ وقفَ بنا جماعةٌ يستفتونَ، وعلى تركةِ مَيْتٍ يتهافتونَ، فناولوهُ رقعةَ لا يفارقُ قَلْبَ مقلِّب حِبرِهَا حُبورٌ، فإذا فيها مزبور: الخفيف:
يا فقيهاً علا على الثقلين ... وإماماً سَما بعِلْم لِذَين
نَبِّنا وأفصِحَنَّ عمَّا عَرانا ... في مُصَابٍ أجْرَى عيونَ العين
مَيِّتٌ طُمَّ عن ثَلاثِ بَنَاتٍ ... مُحصنَاتٍ مِنْ غيرِ رَيْبٍ ومَين
فَحَوَتْ إرثَها الكبيرةُ ثُمناً ... غيرَ بَخْس مِنْ كُلِّ عَرْض وعين
وغدت أختها برُبْع صحيح ... بعد ثمن وربعهِ مرتين
مثلما حازَتِ الصغيرةُ فاعلم ... يا خَلياً مِنْ كُلِّ غشّ وشين
ثمَ ماتَتْ صُغْرى البناتِ بجَمْع ... عَنْ نصابَيْنِ عَسْجدٍ ولُجين
فمَضَتْ أختُها التي حازتِ الثُمْنَ ... بخمسى تُراثِها النقدين
وأغتدَتْ أختُها بباقيهِ قهراً ... تُتْحِفُ النَقْصَ أختَها كرّتين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute